وكانا يقومان بنفس الوظيفة ويخضعان لنفس الظروف ولكن يعينهما الباي أو الحاكم الإقليمي. ومن المعروف أن العثمانيين قد جعلوا في قسنطينة وظيفة شيخ الإسلام في عائلة الفكون وذلك للدور السياسي الذي لعبته في الانتصار للعثمانيين من جهة ولأهمية مدينة قسنطينة من جهة أخرى (١).
ويأتي القضاء بعد الإفتاء في الأهمية، بل إن وظيفة القاضي الحنفي في المرحلة الأولى من الوجود العثماني كانت هي الأساسية لأنها كانت (وظلت كذلك) وظيفة سياسية - دينية. وكان القاضي بحكم اتصاله المباشر بمشاكل الحياة اليومية، على خلاف المفتي، من خصومات وعقود زواج وطلاق، وعقود بيع وشراء، وعقود وقف وكراء - في وضع أخطر من وضع المفتي. وإذا كانت أهمية وظيفة المفتي تعود إلى المكانة والاعتبار فإن أهمية وظيفة القاضي تعود إلى التنفيذ والممارسة لشؤون المجتمع. ولذلك كان بعض الفقهاء، كما أسلفنا، يعتذرون عنها خوفا من عدم القدرة على القيام بمتطلباتها وتقديرا منهم لخطورتها، وقد كان قضاة الجزائر قبل العثمانيين مالكية، كما كان للأباضية قضاتهم.
ومع الباشوات جاء القضاة أيضا إلى الجزائر للحكم بمقتضى المذهب الحنفي، ولذلك أصبح في الجزائر قاضيان في كل مدينة رئيسية، أحدهما للمذهب الحنفي والآخر للمالكي. وتحت هذين القاضيين مجموعة من القضاة المنتشرين في أنحاء الأقاليم. وكان القضاة أحيانا ينيبون عنهم غيرهم أيضا أو يعين الباي خليفة للقاضي. ومن هذا النوع ما تحدث عنه الفكون في كتابه (منشور الهداية) وسماه (نيابة قضاء العجم)، وهو يعني بهم الأتراك. وبالإضافة إلى ذلك كان هناك قضاة يتبعون الحملات العسكرية في الداخل والغزوات البحرية في الخارج وكانوا يسمون بقضاة العسكر ولهم أهمية كبيرة. وكان منصب القضاة أيضا مدعاة للتنافس بين العلماء. ففيه بالإضافة
(١) عن تنافس هذه العائلة مع عائلة ابن عبد المؤمن انظر شيربونو (روكاي) ١٨٥٦ - ١٨٥٧، ٩٧، وميرسييه (روكاي) ١٨٧٨، ٢٢٧ وما بعدها، وفايات (روكاي)، ١٨٦٧ - ٣٢٩. انظر أيضا الفصل الثاني من هذا الجزء.