للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندئذ للدلالة على فئة الحكام وفئة العلماء). وقد سمى الحكام العثمانيون في الجزائر القاضي الحنفي (وهو أيضا المفتي فيما بعد) شيخ الإسلام كما كان يسمى زميله في إسطانبول، وجعلوه مقدما على زميله المفتي المالكي في الحظوة والاعتبار والرأي، رغم أن الأخير كان يمثل مذهب السكان. وبعد عدة أجيال على هذا النمط أصبح المفتي الحنفي لا يعين من إسطانبول وإنما يعين من أبناء العثمانيين المولودين في الجزائر، وذلك بعد أن أصبح الباشا أيضا يعين في الجزائر نفسها من طرف الأوجاق. ويذكر ابن المفتي أن والده، حسين بن رجب شاوش، كان أول مفتي حنفي يعين من أبناء العثمانيين في الجزائر، وهم المدعوون بالكراغلة. والمعروف أن حسين بن رجب هذا قد تولى بتاريخ ١١٠٢ (١).

وكان المفتي يتولى أيضا وظائف أخرى، كما عرفنا، مثل التدريس ووكالة الأوقاف والإمامة والخطابة. وليس من الضروري أن يجمع المفتي كل هذه الوظائف دفعة واحدة. فقد كان له أن ينيب غيره في بعضها، بمن في ذلك أبناؤه، كما فعل سعيد قدورة، وكان يحضر مجلس الشورى الأسبوعي وجلسة الديوان إذا دعي إليها. وإذا اختلف المفتيان تنعقد مناظرة عامة يحضرها القضاة والعلماء والباشا أو ممثله. ويؤخذ الرأي بالأغلبية أو بترشيح الباشا للرأي الذي يميل إليه هو. وفي معظم الأحيان كان الباشا يأخذ برأي المفتي الحنفي، وأحيانا كان يعزل المفتيين معا عند النزاع ويعين بدلهما آخرين، مثل ما وقع لمحمد بن العنابي الحنفي وزميله المالكي سنة ١٢٣٢. ولم يكن الإفتاء مقصورا على مدينة الجزائر، بل إن كل عاصمة إقليمية أو مدينة كبيرة كانت على نمط العاصمة، فيها أيضا المفتي الحنفي والمالكي،


(١) يذكر ابن المفتي أن أول من أدرك خطه من الكراغلة هو محمد بن قرمان الذي توفي سنة ١٠٣٦، وكان معاصره في الفتوى المالكية هو أحمد الزروق بن عمار بن داود. انظر أيضا الفكون (منشور الهداية) ٢٤٢، و (ديوان ابن علي) مخطوط خاص. ففي الأول أن أحمد بن داود قد توجه إلى قسنطينة للدراسة على الشيخ محمد التواتي، وفي الثاني يوجد رثاء محمد القوجيلي له.

<<  <  ج: ص:  >  >>