للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن تحولات عديدة قد حدثت في الملابس والأثاث والأسلحة حتى خلال العهد العثماني، ولكن ذلك كان بطيئا ولم تفرضه الظروف فرضا كما حدث في أيام الاحتلال. فمنذ ١٨٣٠ غزت البضائع الأوروبية الجزائر فأثرت وبسرعة على الصناعات التقليدية وأفقدتها أصالتها وأسواقها. وقد اختفت شخصية (الرقام) الذي كان يلعب دورا تقليديا حيويا في المحافظة على أصالة الزرابي والسجاد والإشراف على الألوان النباتية المناسبة. وهكذا حلت الألوان المعدنية. وفقدت الصباغة مادتها الأولية. فأشجار البلوط أو الزان (Chene - Kermès) التي كانت تعطي اللون الأحمر جهة القلعة قد تعرضت للحرائق عدة مرات، نتيجة الصراع بين المقاومة والاحتلال. ثم ان حقول نبات الفوة Garance التي كان منها الكثير حول العاصمة قد تعرضت بدورها إلى تغيير أفقدها مهمتها الأولى، لقد أصبحت أيضا في يد الغرباء يستغلونها للزراعة (١).

أشرنا إلى أن السيدة لوس كانت قد أسست في العاصمة وباتفاق مع إدارة بوجو، أول ورشة للطرز وتعليم اللغة الفرنسية والحساب لبعض الفتيات الجزائريات. ولوس هذه كانت امرأة مغامرة بدأت حياتها في فرنسا، وتزوجت هناك من السيد اليكس، وأنجبت منه طفلة، ثم هربت منه إلى الجزائر ومارست مختلف الأعمال، وتعلمت اللغة العربية الدارجة، إلى أن شرعت في مشروعها المذكور (٢). وقد ذكرنا أن الهدف المعلن من الورشة هو تعليم الطرز للجزائريات. والظاهر أن الورشة قد أدت مهمتها على غاية ما يرام، لأنها ظلت تتطور وتتسع حتى شاركت لوس في المعارض الدولية بالطرز الجزائري، ومنها معرض لندن سنة ١٨٦٢. وتشهد السيدة روجرز أن


(١) ميرانت، مرجع سابق، ص ٤٥ - ٤٧.
(٢) حياتها مفصلة في عدة مصادر، ومنها كتاب السيدة روجرز الإنكليزية (شتاء في الجزائر) لندن، ١٨٦٥، ص ١٩١ - ١٩٩. وكانت روجرز قد عرفتها شخصيا في الجزائر وزارت ورشتها وشاهدت معرضها في لندن. انظر أيضا الحركة الوطنية، ج ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>