للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذهب ميرانت إلى أن التدهور بدأ منذ القرن السادس عشر (بداية العهد العثماني) ربما لكي يبعد كل الوصمة عن الاحتلال الفرنسي الذي يقر ميرانت نفسه أن الصناعات والفنون الجزائرية قد تدهورت خلاله. ولكنه يعزو (الانحطاط) في ذلك إلى تكاثر العمليات العسكرية منذ ١٨٣٠، وهذا أمر لا يحتاج إلى برهان وبحث طويل، فالاحتلال قد فجر المقاومة، واستمر الصراع عقودا طويلة، وقد نتج عن ذلك اقتلاع جذور المجتمع في المدن وبعثرة الحياة القبلية وزعزعة الاستقرار في الوطن كله. ومع اختفاء الطبقة المستهلكة لنتاج الصناعات والفنون اختفت أيضا فئة المختصين في ذلك واضمحلت حرفهم وصناعتهم. ويعترف الفرنسيون أيضا بأن تغييرات أخرى قد حدثت في هذا المجال ضاعفت من تدهور الصناعات والفنون التقليدية. ومن ذلك تحول طرق التجارة عن مجراها السابق، وعزلة الأماكن والمراكز التي اشتهرت بالانتاج عن الأسواق التي كانت تروج فيها بضاعتها، كما افتقدت زبائنها المعتادين. وبالإضافة إلى ذلك فقد تحول الاهتمام عند الناس وتغيير الذوق تدريجيا مع دخول ومنافسة المصنوعات الفرنسية.

وهناك ظواهر اجتماعية واقتصادية تشهد على أن المجتمع لم يبق على ما كان عليه. ويسمى الفرنسيون ذلك (تقدما) في الحياة المادية للسكان. والواقع أن المجتمع قد تعرض لهزات عنيفة بسبب حلول آلاف الغرباء (الكولون) مع عاداتهم وتقاليدهم وأذواقهم. ثم بسبب الإفقار والإهمال (اغتصاب الأرض، ومصادرة الأوقاف، والاستيلاء على أملاك الذين شاركوا في المقاومة أو هاجروا، والتجهيل المنظم). ومع امتداد الاستعمار تأثرت حياة البداوة والرعي وأصبحت الأراضي مزروعة، ولكن فيه ملك الغرباء الفرنسيين. وتحول الجزائريون بالتدرج إلى (خماسة) في الأرض التي كانوا يملكونها أو يرعون ماشيتهم عليها. ويذهب ميرانت إلى أن ذلك التحول قد أدى إلى حلول الدار (المنزل) محل الكوخ (القوربي) وحلول الأثاث الأوروبي في المنزل محل الزرابي في الخيمة. لأن اختفاء قطعان الماشية قد أدى إلى اختفاء صناعة الزرابي.

<<  <  ج: ص:  >  >>