للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورغم ما قلناه عن الخطيب الناجح فإن بعض الخطباء كانوا من العي والجهل بحيث أصبحوا مضرب المثل. ومن هؤلاء المفتي عمار المستغانمي الذي كان، رغم علمه، عاجزا عن الخطبة يعتريه خجل حتى يتصبب عرقا. وكان لا صوت له في الخطبة بينما كان جهيره في الدرس (١). لذلك كان المستغانمي ينيب عنه في الخطابة صهره أخ زوجه. وقد روى الفكون أنه هو الذي كتب خطبة الجمعة لأحمد بن باديس عند توليه إفتاء وخطابة جامع القصبة في قسنطينة (٢). وجاء في رحلة العياشي أن خطيب الجمعة في توات ألقى (خطبة عظيمة وعظية حسنة تلقفها من صحيفة، إلا أنه أكثر فيها اللحن)، ولاحظ نفس الكاتب أنه حضر صلاة الجمعة في جامع ورقلة (وخطب الخطيب بخطبة أكثر فيها اللحن والخطأ والتحريف والتقديم والتأخير مع إدغام أكثر حروفها حتى كأنها همهمة)، حتى خاف العياشي أن صلاته قد لا تجوز معها، بل اعتقد أن الخطبة كانت تعود إلى زمن الموحدين لأن فيها دعاء للمهدي بن تومرت (٣). وحكم الفكون أيضا حكما قاسيا على أحمد بن حسن الغربي الذي تولى خطة الفتوى وكان (أمي الخطابة والكتابة) وكان لا يعرف الخط ولا الرسم ولا الهجاء حتى أنه كان يطلب ممن يجالسه إصلاح فساد الرسم (٤). وهكذا نجد أنه بقدر ما كانت الفصاحة مدحا كان العي ذما. ولكن المسألة هنا ليست العي مع العلم ولكن العي والجهل معا. وما أكثر النماذج على ذلك.

ومن الوظائف العامة للعلماء وظيفة المدرس. وقد سبق لنا الحديث عنها في فصل التعليم. غير أننا نود أن نلاحظ أنها كانت أحيانا تابعة لوظائف أخرى، فالمفتي والخطيب يتوليان التدريس، ولكن العكس غير صحيح. ذلك أن أكثر المدرسين لم يكونوا مفتين ولا خطباء، وإنما كانوا يلقون


(١) نفس المصدر، ٢٨٣ عن ابن المفتي.
(٢) الفكون (منشور الهداية) مخطوط.
(٣) العياشي (الرحلة) ١/ ٢٠، ٤٦.
(٤) الفكون (منشور الهداية) مخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>