دروسهم ثم يعودون إلى منازلهم. ولا شك أن تنافس العلماء على وظيفة التدريس كان أقل من تنافسهم على الوظائف الأخرى، ان التدريس كان أكثر مجلبة للفقر. وتجدر الملاحظة إلى أن بعض المدرسين كانوا يعملون كل الوقت وبعضهم كان يعمل بعض الوقت. وكان مدرسو المدن الكبيرة يعينون من قبل السلطة الحاكمة، أما من الباشا أو من خلفائه في الأقاليم (١).
وكان لقب العالم يطلق أيضا على بعض الفئات الأخرى في المجتمع. ولنذكر هنا من ذلك ثلاثة أنواع، الأول كتاب الإنشاء أو الخوجات، والثاني المثقفون الأحرار، والثالث المرابطون. فأما النوع الأول فقد كان أصحابه يكتبون للباشوات والبايات ويسجلون محاضر جلسات الديوان والمفاوضات والمعاهدات مع الدول الأخرى. وكانوا يتبعون تحركات الباشوات والبايات في حلهم وترحالهم ويسجلون أخبارهم وأعمالهم. ورغم أن هذا النوع يدخل فيما نسميه اليوم بالإدارة والبيروقراطية فإن انتماء أصحابه إلى أهل العلم يجعلنا نتحدث عنهم هنا وندرجهم ضمن فئة العلماء. وأما النوع الثاني (المثقفون الأحرار) فلا ريب أنهم يندرجون في فئة العلماء أيضا ولكن غير الموظفين. وكان هؤلاء أكثر كفاءة من زملائهم الفقهاء في الغالب. كما كانوا في ثورة دائمة على السلطة وعلى زملائهم الموظفين من جهة أخرى، بل إن بعضهم كانوا يحذرون من خدمة الحكام ويعتبرون خدمتهم بيعا للضمير وسقوطا للعلم. وإذا ضاقت الأرض ببعض هؤلاء كانوا يهاجرون من الجزائر تماما كما فعل أكثر من واحد. وأخيرا هناك المرابطون الذين خصصنا لهم فصلا بعد هذا.
وبالإضافة إلى المهمات التي ذكرناها كان العلماء يقومون بأعمال أخرى كالسفارة. ومن أقدمها سفارة محمد بن علي الخروبي الطرابلسي إلى
(١) رغم أن المؤذنين والحزابين والمسمعين لا يدخلون ضمن تعبير (العلماء) فإن لهم صلة قوية بهم ويعيشون في ظلهم، وهم يمثلون عددا كبيرا من رجال الدين ويأخذون رواتبهم من الوقف ويخضعون في التعيين لشروط غير دقيقة.