فمن سقفه وأعمدته وساحته المزخرفة بالقاشاني يمكن أن يوحي للفنانين برسومات وإبداعات نادرة. والقصر تحيط به الحدائق الغناء والخضراء في لون الزمرد (١). وبعد ذلك تلقى جونار تقريرا عن الفيلا وإمكاناتها الفنية.
وقد تبنى جونار الفكرة سنة ١٩٠٧ ودعا الموهوبين الناشئين في الحركة الفنية بباريس ليحلوا بالجزائر ويعيشوا فيها الحياة العربية، ويستفيدوا من أجوائها وطبيعتها. وقد زارها مدير متحف لوكسمبورغ. واتفق الرأي على تنفيذ المشروع وهو إيواء فنانين إثنين كل سنة بعد المشاركة في مسابقة في فرنسا، على أن تكون رحلتهم وإقامتهم على نفقة الدولة، وأن يكونوا أحرارا فيها مدى السنتين غير ملزمين بأداء أية خدمة. وكانت لجنة الامتحان تتألف من هواة وفنانين محترفين ومن محافظي المتاحف. وكانت تجتمع كل سنة لاختيار اثنين من المترشحين. وكان الفائزون يجدون أنفسهم محظوظين. فبالإضافة إلى المنحة والسفر والحرية الكاملة، كانوا يتمتعون بجو عربي (شرقي) يجمع بين الأصالة والمعاصرة. فالفيلا بنيت على الطراز الأندلسي. والمحيط ينبض بالحياة الجزائرية المعاصرة سواء في الريف أو المدينة. وهكذا يجد الفنان نفسه غريبا في بلاد (أخرى) رغم أنه فرنسي في مستعمرة (فرنسية). وبدراستنا لحياة الفانين نجد أن بعضهم قد رجع إلى بلاده بينما اختار آخرون البقاء في الجزائر، حتى أن أحدهم، وهو نواريه Noiret كان يلقب (بالفنان الجزائري).
وقد تداول على فيلا عبد اللطيف عدد من الفنانين واكتسبوا شهرة بحكم إنتاجهم الإبداعي والغريب على الذوق الفرنسي، وشاركوا في المعارض الفنية، وبيعت لوحاتهم بأثمان عالية. ومن لوحات نواريه: ولادة في الصحراء، وأغنية الناي، وياسمين الساحل، وغير ذلك من المناظر المستوحاة من الطبيعة الجزائرية. وقد حصل على جائزة على لوحته (خليج
(١) عفيفي بهنسي (أثر العرب في الفن الحديث)، دمشق ١٩٧٠، ص ٩١. وكذلك جان ألازار (فيلا عبد اللطيف بالجزائر)، في (الوثائق الجزائرية)، تاريخ ٢٠ سبتمبر ١٩٤٦، رقم ١٠، ص ٢٦٧ - ٢٦٨.