ويخبرنا هذا الكاتب أن المهندس الإنكليزي، بوكنال Buknal، قد جاء إلى الجزائر وعمل على صيانة الفن المعماري بها، وذلك بالمحافظة على كل قطعة وإعادة الحياة في النماذج الفنية من أجل إقامات شتوية في الحدائق الواقعة في أعلى مدينة الجزائر، كما أنه عمل على تواصل الفن القديم حتى لا ينقطع عن الماضي وطرازه.
وهكذا تحولت الإقامة القديمة لحراس الداي إلى قصر منيف أصبح هو مقر الحاكم العام الفرنسي صيفا. وهذا القصر كان يقع بوسط حديقة غناء واسعة، وحافظ الفنانون على طرازها الأصلي الذي ينسجم مع الساحل الجزائري، حيث الإخضرار الداكن وأشجار النخيل والبرتقال وأنواع الزهور. إنها إقامات بيضاء اتخذها أيضا بعض الفنانين نماذج لفنهم.
وكان جونار الذي جاء لحكم الجزائر بفكرة استرجاع شخصيتها التقليدية، قد بذل جهده في بناء نماذج جديدة مستوحاة من الطراز القديم، وهو ما سماه بعضهم (بالحركة الموريسكية الجديدة). وظهر ذلك في المباني الإدارية التي بنيت في عهد جونار أو التي تمت بعده مثل البريد المركزي، ومقر ولاية الجزائر، والبلدية وبريد الأبيار، وعمارة جريدة (لا ديباش ألجيريان)، ومحطة وهران ومركز سكيكدة، وأخيرا نشير إلى مباني المدارس الرسمية الثلاث في كل من العاصمة (الثعالبية)، وقسنطينة، وتلمسان. وقد وقع تقليد هذه الحركة مع التخفيف من الزخارف، في بعض المدارس والمباني الحكومية الأخرى. وشارك بعض المهرة من الجزائريين في الخط والزخرفة وفي تطوير هذا الفن (١).
وانتشرت فكرة تأصيل الفن خارج المدن أيضا، وانقلت إلى المشاريع
(١) يذكر أنه جيء بأحد النقاشين والخطاطين من وادي سوف، اسمه الشيخ عمر قاقة لزخرفة البريد المركزي بالعاصمة. وهذه العائلة ما تزال موجودة وتواصل فنها إلى اليوم. ويقال إن عمر قاقه قد أخذ فنه عن فنان مغربي ساهم في نقش الزاوية التجانية بقمار، ربما في آخر القرن ١٨ ولكن علينا أن نقدر المسافة الزمنية بين الرجلين.