عن (علماء) مغامرين جاؤوا إلى الجزائر طلبا للرزق والجاه. والكتابان اللذان رجعنا إليهما بكثرة في هذا الصدد - كتاب ابن المفتي وكتاب الفكون، وكلاهما في نقد سلوك العلماء - قد ذكرا عددا من علماء المشرق والمغرب الذين وفدوا على الجزائر للغرض المذكور. وكانت حظوة هؤلاء قد تواتت مع حظوظ السلطة العثمانية نفسها، وهي السلطة التي كانت بدورها غريبة عن أخلاق أهل البلد. وقد انجذب بعض العلماء الجزائريين نحو المنحدر الذي وصفناه خوفا أو طمعا. وسنعرف أكثر عن هذا التأثير الخارجي حين نتناول حياة بعض المرابطين والمتصوفة.
ومن جهة أخرى فإننا لا نشك في تحيز ابن المفتي والفكون أحيانا في تناولهما للعلماء المعاصرين أو العلماء الذين تنافسوا مع أقاربهما على الوظيف. ومع ذلك فإن كليهما كان مدفوعا برغبة شديدة في رؤية العلماء يقفون على أرضية صحيحة ويتمسكون بمبادئ كانت من قبل من أخلاق العلماء، وقد عز على كليهما هبوط هذه الأخلاق والمتاجرة بالعلم في سبيل الجاه وعرض الحياة الدنيا. وهذا الوضع قد أدت إليه السياسة العثمانية التي كانت لا تريد أن ترى فئة العلماء متماسكة وقوية فيؤدي تماسكها وقوتها إلى الإطاحة بالنظام وتداخل الدين والسياسة أو الشريعة والحكم. فقد كان العثمانيون دائما يخشون من العلماء سواء كانوا في الجزائر أو في غيرها. وقد نجحوا في إبقائهم تحت نفوذهم بالوسائل التي ذكرناها وبتشجيع الخلاف بينهم والبحث على الضعفاء منهم والتخلص من الأقوياء وتجنب إعطاء النفوذ لعلماء البلاد المتصلين بالأهالي.
وكان بعض العلماء غير راضين على هذا الوضع فثاروا على ذلك، ومن هؤلاء يحيى الأوراسي الذي قاد ثورة في منطقة الأوراس. وفر بعضهم إلى التصوف، كما سنرى، فبعد أن كانوا من أهل العلم والتدريس أصبحوا من أهل التصوف والحضرة لأنهم وجدوا أن الطريق الأول غير مربح. ومنهم من اختار طريقا آخر، وهو الخروج من الجزائر تماما والعيش في الأقطار الإسلامية الأخرى، ولعل هذا ما كان يرغب فيه ويعمل له العثمانيون في