للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثير أو فلان حدوده مدخولة. وكان بعض العلماء لا يفتي بالشاذ إلا في أمور الدنيا. وهكذا كان العلم مسخرا في أغلب الأحوال لقضاء الحاجات الدنيا وكأن الانتماء إلى الدين مطية للوصول إلى الوظيف والجاه وليس لخدمة الدين والشعب.

وكان شرب الخمر والسماع (الموسيقى) وتعاطي الربا وتناول الحشيش والخنا أمورا شائعة أيضا عند بعض العلماء. فقد زعم ابن المفتي أن يونس بن الكرتيلو (الذي طعن في كفاءة الشيخ المهدي بن صالح ونادى بتولية مفتي من عائلة قدورة) (كان يتعاطى الربا ويشرب الخمر ويبيعها خفية). والذي يقرأ كتاب الفكون يجد فيه عدة حوادث عن علماء كانوا يتناولون الخمر والحشيشة ولا يتورعون عن الخنا، بل كان في قسنطينة وعنابة جماعة سماها الفكون (نادي جماعة الشرب)، لهم آلات طرب ولهو وتصفيق وشطح وإنشاد. وحين توجه القاضي القوجيلي في طريقه إلى إسطانبول خاطبه أحدهم، ويدعى الشريف السوسي، يستأذنه في السماع فأجابه القوجيلي لذلك (١). وكان السماع عند أغلبهم ليس من أخلاق العلماء في شيء (٢).

ورغم هذه الصورة التي قد تبدو كالحة عن أخلاق العلماء في الجزائر خلال العهد العثماني فإن هناك صورة أخرى مضيئة ومشرفة، فليس كل العلماء كانوا على ذلك النحو من الجهل وسقوط الضمير والفساد والطمع. فقد كان هناك علماء حافظوا على المقاييس الأخلاقية التي عرف بها العلماء الحقيقيون عبر العصور. نعم كان بعض العلماء يعيشون تحت ضغط الحاجة أحيانا، وكانوا أحيانا أخرى تحت ضغط السياسة. وتجدر الملاحظة إلى أن بعض الأخلاق السيئة التي ذكرناها لم تكن صادرة عن علماء جزائريين وإنما


(١) (ديوان ابن علي) مخطوط خاص.
(٢) عن السماع وآراء العلماء فيه انظر العلوم والفنون من الجزء الثاني. ولا شك أن الآراء السابقة تمثل طعن العلماء في بعضهم البعض مما يدخل في الحكم على المعاصرين. وهي آراء يجب أن تؤخذ بحذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>