للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثير هم العلماء الذين اتخذوا للوظيف طريقا من التذلل والتوسط والتوسل (١).

وقد جرى ذلك كله مع التساهل في العلم وفي قضايا الدين أيضا، فقد عرفنا أن بعض الأئمة كانوا لا يحسنون قراءة خطبهم المكتوبة، وكان آخرون لا يبينون إذا تكلموا، وآخرون لا يحسنون حتى إصلاح صلاتهم ولا رسم الكتابة حسب رواية الفكون، ومع ذلك تولوا وظائف سامية كالقضاء والخطابة. وقد ذكر العياشي أن إمام جامع ورقلة وأخاه (أقرب من رأيته في هذه المدينة بسيرة الطلب، وما أظن أحدا منهما يحسن بابا من أبواب العلم) وأضاف العياشي هذا البيت الذي يعبر عن حقيقة مرة، وهو:

ولكن البلاد إذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيم (٢)

وعرف عن بعض العلماء عدم الدقة في العلم والتهاون في أمور الدين طلبا وتزلفا للحكام. فابن نعمون المذكور عرف عنه الجهل ومع ذلك كان يدرس الرسالة وخليل وابن الحاجب. وكان المفتي محمد النيار إذا سئل عن مسألة يجيب حسب رغبة السائل. وكان يعتمد في إجابته على مؤلفين محدثين لم يطلع على آثارهم (٣). وكان علي بن داود الصنهاجي لا يتقن البحث والنظر ومع ذلك حصل على إجازة من سالم السنهوري المصري. وحين سئل أحمد المقري صاحب (نفح الطيب) عن إعراب آية أجاب جوابا فيه تقية ولم يبين الخطأ والصواب في الجواب كما أنه مدح صاحب السؤال (وهو الفكون) واكتفى بتزويق الألفاظ حبا في الثناء الجميل. فكان المقري إذا سئل عن مسألة يجيب جوابا كليا لا جزيا كأن يقول هذه مسألة فيها كلام


(١) أثناء بحثنا في الأرشيف وجدنا عددا من أسماء العلماء المعروفين الذين كانوا يقترضون المال من مدخول الحرمين الشريفين. من ذلك سلفة المفتي الحنفي، ابن مسلم سنة ١١٠٠ هـ وقدرها مائة سلطاني ذهبا. انظر مثلا دفتر (١٨٢) ٣٢ - MI ٢٢٨ وكذلك دفتر (٢٨٨) ٤١ - ٢٢٨ MI.
(٢) العياشي (الرحلة) ١/ ٤٨.
(٣) ديفوكس (المجلة الإفريقية)، ١٨٦٧، ٣٨٩ عن ابن المفتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>