للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي ساهم في هبوط الأخلاق وضعف الضمير العلمي. وتتحدث وثائق كثيرة عن شيوع الرشوة بينهم أخذا وعطاء، فهذا الفكون، وهو من أسرة علمية، يقول عن محمد بن المسبح إنه أعطى للظفر بخطة نيابة القضاء (مالا لقضاة العجم حتى ولوه إياها. وربما أرشى (أي المسبح) الولاة يمينا وشمالا). وحكى عنه أنه اشتهر بشهادة الزور أيضا. ووصف الفكون أبا عمران موسى الملقب بالفكيرين أنه كان مطلق اليد يأخذ طعاما وعينا من البدو. وهذا الحسين الورتلاني قد ذكر في رحلته شيوع الرشوة بين الحكام لكي يعطوا منصب القاضي أو المفتي لبعض العلماء، مضيفا بأن هذا مخالف للشرع (١). وقد روى ابن المفتي أن محمد النيار، المفتي الحنفي، كان يأخذ الرشوة حتى أنه حين عزل هاجمه الناس مطالبين إياه برد ما أخذه منهم (٢).

وشاع بين العلماء أيضا التبذير والطمع، فهذا المفتي عمار المستغانمي، رغم عجزه عن الخطابة كما أسلفنا، كانت له وظائف كثيرة أخرى. ومع ذلك شكا ذات مرة لابن المفتي بأنه لا يملك سوى القميص الذي كان على جلده وأن أولاده حفاة عراة وأنه لا يملك أن يشتري لهم ثيابا جديدة لختانهم. ومع ذلك فقد عرفنا أنه كان ينفق على ضيوفه بين ثلاثين وأربعين ريالا في الليلة الواحدة، وأنه كان يكلف نفسه ما لا يطيق من الأطعمة حتى أنه عندما توفي كان مدينا بأربعة آلاف ريال (٣). وهذا أحمد بن حسن الغربي كان يخدم الولاة بقسنطينة ويعظمهم ويمتهن نفسه ويعطيهم الرشى، وكان يتوسط للولاة في ذلك لدى أهل البلد والرعية وينال بذلك حظا. ومن أجل ذلك ولوه وظيفا صغيرا هو نيابة القضاء (٤). وكان بعضهم لا يتورع عن أكل الحرام. فقد قيل ان ابن نعمون قد تصرف في أكثر من خمسة وثلاثين وقفا، بما في ذلك أوقاف المدينة المنورة، كما فعل غيره مثله أيضا.


(١) الورتلاني (الرحلة)، ١١١.
(٢) ديفوكس (المجلة الإفريقية)، ١٨٦٧، ٣٨٩.
(٣) نور الدين عبد القادر (صفحات)، ٢٨٣ عن ابن المفتي.
(٤) الفكون (منشور الهداية) مخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>