للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العثمانيين حتى أن أحدا لا يستطيع مسه بسوء) (١).

ولعل التنافس المذهبي يدخل في هذا المجال أيضا. ورغم أن كلا المذهبين الحنفي والمالكي سني وأنه لا وجود لاختلاف مذهبي بمعنى الكلمة بينهما إلا أن تصرف بعض العثمانيين جعل التنافس بين العلماء يظهر وكأنه تنافس مذهبي. فقد كان العثمانيون يقربون المفتي الحنفي والقاضي الحنفي على المفتي المالكي والقاضي المالكي (٢). وإذا وقع نزاع في قضية من القضايا واحتكم فيها إلى المجلس وانعقدت المناظرة رجح الباشا غالبا رأى الأحناف. وقد روى ابن المفتي (وهو حنفي) أن ابن علي المفتي الحنفي كان يقدح بلسانه في المفتي المالكي محمد بن نيكرو - وجاء في رحلة ابن حمادوش (وهو مالكي أشعري كما يقول) أن نفس المفتي (ابن علي) قد غضب منه ذات مرة وخرج ساخطا من المجلس لأن ابن حمادوش لم يقم له تعظيمل وإجلالا .. وقد أشرنا إلى الحكم بالإعدام على أحمد قدورة، وكان مفتي المالكية (٣). وتتحدث الوثائق على الباشوات الذين كانوا يمدون أيديهم إلى المفتي الحنفي لتقبيلها، بينما لا يفعلون ذلك مع المفتي المالكي. ولكن التنافس المذهبي لم يكن حادا ولم تكن له نتائج خطيرة كالتنافس الفردي والعائلي.

ويبدو أن هذا الإلحاح في التنافس يعود إلى هبوط أخلاق العلماء بصفة عامة. فقد شاعت بينهم الرشوة والطمع والجهل والتساهل في أمور الدين ومنح الإجازات بسهولة والتعدي على الأوقاف وغير ذلك مما هو ليس من أخلاق العلماء الحقيقيين في شيء. ولعل هبوط المستوى الثقافي عامة هو


(١) انظر حياة عبد الكريم الفكون في الفصل التالي.
(٢) جاء في مخطوط للشيخ حمدان الونيسي أن الباي عثمان بقسنطينة (قد حول الشيخ محمد بن المسبح إلى المذهب الحنفي بعد أن كان مالكيا، وهو الذي ولاه الخطابة بجامع سوق الغزل الذي كان يصلي فيه الباي) تعريف الخلف، ١/ ١٧٣.
(٣) والحق أنه وقع إعدام مفتي حنفي أيضا في مناسبة أخرى، وهو محمد بن مصطفى المعروف بابن المستي وذلك سنة ١١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>