للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الدين والعلم. فهو ليس من رجال الدين كما أنه لا يريد منهم أن يتدخلوا في حروبه وسياسته. وهو بالمقابل لا يتدخل في شؤونهم الدينية والقلمية. فإذا ما حاولوا أن يقتربوا من حدوده غضب وسخط، ويا ويل رجال الدين والقلم من الحاكم العثماني إذا ما غضب وسخط! هذه هي الحدود بين الطرفين، فهي حدود قائمة على الاحترام المتبادل واعتراف كل طرف سيادة الآخر في مجاله (١). ولكن الدين الإسلامي لا يعترف بهذه الحدود التي وضعها الإنسان لغايات غير دينية. لذلك كان بعض العلماء لا يصبرون على هذا الوضع فكانوا يطمعون فيما ليس لهم فيلقون جزاء أليما وعقابا شديدا.

وأكبر عمل يستطيع العالم أن يقوم به نحو الحاكم هو (نصحه) وتوضيح ما هو ديني وما هو غير ديني، وحتى هذا النصح كان يغلف في قالب لا يحس منه الحاكم أن العالم يتدخل في شؤونه. وكان بعض العلماء قد وجدوا من التحريض على قتال الإسبان في وهران مجالا حرا للتعبير عما في أنفسهم نحو السلطة ونحو الدين ما دام الباشوات أنفسهم عازمين على حرب الإسبان وعلى الجهاد بصفة عامة. وهذا الموقف لا يسمى تدخلا من العلماء وإنما يعتبر تأييدا لما كان العثمانيون يقومون به ويعتبر تأليبا للرأي العام ضد الإسبان. وكان هؤلاء العلماء يغتنمون الفرصة لكي يطرحوا قضاياهم الخاصة كحرمانهم من مال الأوقاف وسوء أحوالهم المادية، والإشارة إلى انتشار الظلم في البلاد والإجحاف في المعاملات، والتعبير عن كون العلماء هم حماة الدين وممثلو الرأي العام.

فقد حرض الشاعر محمد بن آقوجيل الباشا حسين خوجة الشريف على قتال الإسبان بوهران (وكان الباشا بدأ فعلا في الاستعداد لذلك). ثم انتقل من التحريض على القتال إلى الحديث عن حالة العلماء في الجزائر. فنصح


(١) حول هذه النقطة انظر ايمريت (مجلة التاريخ الحديث والمعاصر)، ١٩٥٤، ٢٠٧. وكذلك كتاب ليباير، وكتاب جيب وباون عن تركيبة النظام العثماني كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>