للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصح للباشا أيضا. فقد استنجد به في تدارك تلك الحالة قبل فوات الأوان وأوصاه بالاعتماد على الله وبحب العلم وفعل الخير، ودعاه إلى حسن اختيار بطانته وإلى استشارة العقلاء، وتوليه الأخيار النبلاء، وعدم خلف الوعد أو الوعيد لأن ذلك يضر بسمعته وحكمه. وأخيرا شكا إليه أحواله الخاصة وحاجته إلى المال قائلا إنه حزين ومثقل بالديون. وهذه الحالة لا تليق بالعلماء في عهده (الباشا) فهو يقول:

مطالبي كثيرة ... فطنتكم غزيرة

وقد ذكر ابن ميمون الذي أورد هذه الأرجوزة أن الباشا كافأ البوني (بمنقوش من صفحة القمر، وأعطاه فوق ما طلب) (١). وهو قول فيه كثير من المبالغة، ولكنه يدل على أن الباشا قد استجاب لطلب هذا العالم.

والظاهر أن الباشا هو الذي طلب من البوني بعض التحف وهي هنا مجموعة من الوصايا والحكم والمواعظ. وقد استجاب البوني وأرسل إليه قصيدة احتوت على ما كان مطلوبا من العلماء عندئذ، وهو نصح الحكام بتقوى الله وتحكيم الشرع في أمور الدولة وتعلم الفقه وتمييز الحرام من الحلال. وهذا ليس بغريب على من يقرأ الأدب العربي القديم، فطالما وجدا بعض الخلفاء يطلبون من العلماء وعظهم فيعظونهم حتى تدمع عيونهم حزنا وخوفا. ولكننا لا نعتقد أن محمد بكداش كان في حاجة إلى هذا النوع من الوعظ والنصح وإنما كان في حاجة إلى توطيد للعلاقة التي بينه وبين شخصية معترف لها بالدين والعلم مثل أحمد البوني. ومن الغريب أن يصف البوني بكداش بأنه حبيبه وخليله وصديقه وأنه قد سبا قلبه وهيج غرامه، فهذا الكلام لا يكون عادة بين الحاكم وبين أحد رعاياه.

وبعد، فإن لي حبا وخلا ... سبا قلبي وهيج لي غرامي

كما أنه من الغريب أن يصف البوني بكداش بأنه:

فقيه لوذعي المعي ... جميل الوجه يلقي بابتسام


(١) ابن ميمون (التحفة المرضية) مخطوط، ٢٨. والأرجوزة في حوالي تسعين بيتا.

<<  <  ج: ص:  >  >>