التعليم، بجميع مستوياته منتشرا في المدارس والمساجد وفي الزوايا التي أخذت تنتشر، كما سنرى. وكانت حلق الدروس حول كل أستاذ مشهور سواء في المدرسة أو الجامع أو في الزاوية، هي المنبع الذي ينهل منه تلاميذ وطلاب القرن التاسع، وهو نفسه المنبع الذي ظل يغذي أجيال المتعلمين المسلمين بثقافة تقليدية، ولكنها كانت تحتوي على شرارات كامنة في انتظار الفرصة. وسنرى أن هذا التعليم قد غلبت عليه الروح النظرية. وكاد أصحابه لا يخرجون عن علوم الدين وعلوم العربية. وسنرى أيضا أن زوال الفلسفة الموحدية قد أفسح المجال أمام الفقهاء المالكية الذين عادوا إلى الاعتناء بالفروع الفقهية. وقد نشأت مدارس متعددة، كمدرسة القيروان، همها العناية بالفقه المالكي خاصة. وتبع ذلك، تمشيا مع الضعف السياسي، سطحية التعليم وقلة موارده وضعف أساتذته. ومع ذلك فإن بعض العلوم العملية ظلت حية لا سيما في تلمسان. فقد كان فيها، حسب رواية عبد الباسط بن خليل، طبيبان هما محمد بن علي بن فشوش (أحد أطباء تلمسان في المزاولة والدرس) وموشى بن صمويل المعروف بابن الأشقر اليهودي الذي كان، بالإضافة إلى الطب، عالما بالوفق والميقات وعلوم أخري قديمة، وكان ابن الأشقر من مهاجري الأندلس وملازما لسلطان تلمسان عندئذ محمد بن أبي ثابت (١).
٤ - وقد كان لهجرة الأندلسيين أثر كبير على المجتمع الجزائري من جميع النواحي. ولعل القرن التاسع قد شهد أكبر موجة من موجات هذه الهجرة. ففيه اشتدت وطأة الإسبان على بقايا المسلمين في الأندلس. وفيه سقطت (سنة ١٤٩٢) آخر قلعة لهم هناك. لذلك تدفقت أمواج المهاجرينعلى شواطئ المغرب العربي ينشدون الحماية والأمن ويبحثون في نفس الوقت عن طريق العودة والثأر. وكانت طبقات المهاجرين تختلف ثروة وثقافة وجاها. ففيهم أبناء الشعب البسطاء وأحفاد الملوك الوجهاء، وفيهم