للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحاب الصنائع وأصحاب القلم. وهكذا كانت المأساة الإنسانية في الأندلس خيرا وبركة على مجتمع المغرب العربي الذي كان دائما يلعب دور الوسيط في الإنتاج الثقافي وليس دور المنتج.

وإذا كان تأثير الهجرة الأندلسية السياسي والاقتصادي على مجتمع القرن التاسع لا يهمنا هنا فإن تأثيرها الثقافي لا يمكن إغفاله (١). ويهمنا الآن أن نعرف قليلا عن تأثيرها في التعليم والموسيقى. لقد احتكر الأندلسيون ميدان التعليم في المغرب العربي ولا سيما في الحواضر، ونقلوا طريقتهم الخاصة بهم إليها. ومن ذلك عدم الاقتصار في تعليم الأطفال على حفظ القرآن كما كان الحال قبلهم بل أضافوا إليه تعليم الحديث والقواعد العامة لمختلف العلوم وتدارس بعضها، كما علموا روايات القرآن وأنوع قراءاته. ونشر الأندلسيون خطهم حتى ساد على خط المغرب العربي. أما التعليم العالي فقد كان يعطي في المساجد والزوايا ودور العلماء ومجالس المناظرة، وكان يعهد به إلى كبار العلماء. وبالإضافة إلى هذه الأماكن العامة، كانت السلطة تعين للمدارس كبار العلماء الأندلسيين وغيرهم وتجري عليهم المرتبات. ولكن التعليم العالي كان أكثر انتشارا في المراكز الأولى منه في الثانية. وكان يعتمد في أغلب الأحيان على النقل والرواية لا على الرأي والاجتهاد (٢). وهذه الطريقة بعينها قد استمرت أيضا خلال العهد العثماني، ولكن مع ضعف، تبعا لضعف الأحوال العقلية ولانتشار الدروشة والخرافات. وقد شمل التأثير الأندلسي أيضا ميادين النحو والأدب والعلوم والموسيقى (٣) وكان هناك علماء مختصون في كل فن من هذه الفنون، ألفوا


(١) عن تأثيرها السياسي انظر مقدمة المهدي البوعبدلي لكتاب (الثغر الجماني) ١٣.
(٢) انظر بهذا الصدد مقالة محمد الطالبي (الهجرة الأندلسية إلى إفريقية أيام الحفصيين) في (الأصالة) ٢٦، ١٩٧٥، ٤٦ - ٩٠. وعن التأثير الثقافي خاصة انظر ٦٤ - ٧٨.
(٣) عن أثرهم في الموسيقى انظر نفس المصدر، وكذلك مقالة على الجندوبي (المناظر) جوان ١٩٦١، ١٨، وعمر راسم (الموسيقى الأندلسية في الجزائر) في (المباحث) أفريل ١٩٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>