٥ - ومن أبرز ما تميز به القرن التاسع في الجزائر ظهور عقيدة المرابط وانتشار الزوايا وافتتاح عهد التصوف (العملي خصوصا)(١). وهذه الظاهرة هي التي سنجدها تزداد انتشارا وإغراقا في القرون الثلاثة اللاحقة للعهد العثماني. ولا شك أن وجود هذه الظاهرة كان يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف الدولة أمام الانحلال الداخلي والخطر الخارجي. حقا ان التصوف قد ظهر في المشرق قبل ذلك بقرون ووجد طريقه إلى المغرب العربي في حينه ولا سيما مذهب الغزالي الذي كان له في الموحدين أنصار ودعاة. ولكن المبالغة في الاعتقاد في الشيخ وابتداع الحضرة والأوراد وغيرها. والالتفاف حول زاوية ذلك الشيخ أو ضريحه كل هذه أمور تكاد تكون وليدة القرن التاسع وما بعده. وقد جاء العهد العثماني ليزيدها حماية وتعهدا ولتزداد هي بدورها في ظله ازدهارا وتفريعا.
وقد أدت المبالغة في الاعتقاد في الشيخ وانتشار الزوايا والأضرحة إلى نتيجتين خطيرتين أولاهما تبسيط المعرفة وثانيتهما غلق باب الاجتهاد. ذلك أن نقل التعليم إلى الزوايا قد أدى إلى الاكتفاء بالحد الأدنى منه بطريقة جافة ريفية ضيقة. وأصبحت الزاوية بذلك تنافس المدرسة والجامع (الجامعة) في نشر التعليم وفي كسب الأنصار. وبدل أن يلتف الناس حول العلماء المتنورين في المدارس والمساجد أصبحوا يلتفون في زاوية حول شيخ أو مقدم تغلب على عقله الخرافة وعلى أحواله الزهد. وهكذا تدهور مستوى التعليم. وهذه المنافسة بين العالم والمرابط أو الجامع والزاوية قد أجبرت أيضا علماء المساجد والمدارس على تبسيط آرائهم وطرقهم في التعليم ومحتويات دروسهم حتى لا يفر الطلبة إلى الزوايا والمرابطين. فالتنافس إذن
(١) حول هذه النقطة انظر ألفريد بيل (الإسلام في باباريا) في كتاب (التاريخ ومؤرخو الجزائر)، ١٩١. وقد علل بيل ذلك بملاءمة التصوف لذوق أهل البلاد وظهور الوطنية الدينية عندهم منذ غارات المسيحيين على شواطئهم. كما علل لانتشار التصوف بأن المرأة وجدت فيه طريقا لمساواتها بالرجل وبناء زاوية خاصة بها مثله.