للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان كزمليه أحمد قدورة ضحية الانتقام السياسي.

وكان بعض العلماء يعانون الإهانة والسجن والتشريد، لا لذنب ارتكبوه هم ولكن لصلتهم بمن ارتكب الذنب. فقد كان القاضي المالكي محمد بن مالك من علماء مدينة الجزائر المشهود لهم بالعلم ووفرة التلاميذ. وكان على صلة بنقيب الأشراف أيضا، ولكنه كان صهرا لعلي خوجة الذي ثار على مصطفى باشا فحكم هذا على ابن مالك بالنفي إلى مدينة القليعة وإيقافه عن الدرس. ولكن لحسن حظه ومعرفته لبعض رجال الدولة وخوضه في السياسة أحيانا تدخل مستشارو الباشا لصالحه على أساس أن له تلاميذ يدرسون عليه وأنه ليس مسؤولا على ثورة صهره. وعندئذ فقط أذن له الباشا بالرجوع إلى درسه (١). وعندما عاد الشيخ حمودة المقايسي من مصر ظنا منه أنه سيجد الجو مناسبا للدرس ونشر العلم والعيش الكريم، تخلى عن ذلك واكتفى بصناعة المقايس (الأساور) ليعيش منها لأنه وجد أن المتصلين برجال الدولة هم فقط أصحاب الحظوة (٢). ولكننا عرفنا أنها حظوة غير ثابتة وأنها خاضعة لمزاج الباشا ومدى خنوع العلماء وتخليهم عن مبادئهم العلمية والأخلاقية. فالجمع بين العلم والوظيف في العهد العثماني، مع المحافظة على الأخلاق، كالجمع بين الماء والنار، وصاحب ذلك كالساكن مع النمر لا يدري متى يفترسه.

ولم تكن معاملة البايات للعلماء بأحسن حالا من معاملة الباشوات لهم. فالعلاقة هنا كانت كالعلاقة هناك، صاعدة نازلة وفي اضطراب متواصل. ولدينا عدة مصادر تتحدث عن ذلك، فقد روى ابن مريم في (البستان) ومحمد بن سليمان في (كعبة الطائفين) طائفة من الأخبار عن أحوال العلماء في تلمسان. والمعروف أن كثيرا منهم قد فروا إلى المغرب في عدة موجات بدايتها عند دخول العثمانيين وآخرها عند ثورة درقاوة. ولم


(١) الزهار (المذكرات)، ٨١، ٩١.
(٢) الحفناوي (تعريف الخلف) ٢/ ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>