للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثورة درقاوة في فاتح القرن الثالث عشر وعانى من ذلك أبو راس والزجاي ومحي الدين والد الأمير عبد القادر وابن العنابي وبوضياف وابن القندوز.

فقد كان الباشوات يسلكون مع العلماء أحيانا طريقة الإرهاب والتخويف. ومن الذين خضعوا لهذا الإرهاب الشيخ المهدي بن صالح. ذلك أن الباشا (وهو تلميذه!) قد حكم عليه بالنفي إلى بلاد غير عربية وأهانه إهانة بالغة عندما طلب من كل من قدم إليه هدية أن يحضر ويطلبها منه فهاجمه خلق كثير، حسب رواية ابن المفتي، في السفينة التي كانت ستقله إلى منفاه وأرغم على إعادة معظم ما أخذه من الهدايا (١) وليس من الضروري أن تكون دعوى الهدايا صحيحة، وإن كانت الرشوة أمرا شائعا كما عرفنا، ولكن التشهير بالضحية كان إحدى طرق الإرهاب التي يتخذها الولاة ضد ضحاياهم. ولو كانت الهدايا هي التي استوجبت هذه المعاملة المهنية لواحد من أبرز العلماء في وقته لا نطبق الأمر أيضا على الباشوات أنفسهم، فقد كانت الهدايا هي وسيلة عيشهم وطابع حياتهم. وقد ذكر ابن المفتي أن المهدي بن صالح كان عالما بعلم الحديث الذي برع في تدريسه حتى جلب إليه في الجامع الكبير خلقا كثيرا، وكان ممتازا في أربعة علوم (هي النحو والأصول والخطابة والحديث) أحدها يكفي. ولا شك أن الباشا قد خاف من تجمع الناس حول ابن صالح (٢). أما المفتي الحنفي محمد بن مصطفى المعروف بابن المستي فقد حكم عليه الديوان بالموت ومصادرة أملاكه سنة ١١٣٨. وكان قد تولى الفتوى عدة مرات ابتداء من سنة ١١١٢. وما زلنا لا نعرف ما هي التهمة التي وجهت إليه حتى استحق هذه النهاية. والظاهر أنه


= إلى رؤساء الفتنة لتفادي الثورة. ولكن مهمة هؤلاء العلماء قد فشلت. انظر ديلفين (المجلة الآسيوية) ١٩٢٢، ٢٠٦.
(١) ديفوكس (المجلة الإفريقية) ١٨٦٦، ٢٩٢.
(٢) هذا الباشا هو حسين خوجة الشريف الذي عزله محمد بكداش, وقد عاد المهدي بن صالح من منفاه وتولى الإفتاء بعد ذلك في زمن باشا جديد، خلفا للشيخ سعيد بن أحمد قدورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>