للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القائد حفيظ للشيخ بالدقيق والسمن ونحوهما فإن ابن للو قد رد كل ذلك عليه. بل تذهب الرواية إلى أن ابن للو قد أمسك بلحية القائد وجذبه منها إلى أن أخد منها شعرا، ثم أقسم أن يخرج من تلمسان (لأمر ما) ويسكن بلد النصارى. فأخذ أهله ونزل موضعا بوادي غريس ومنه إلى معسكر حيث استفتى العلماء في يمينه (١) ولا شك ان معاملة القائد التركي الآخر، وهو محمد بن سوري، للعلماء في تلمسان أيضا تستحق الذكر في هذا الصدد، وهي المعاملة التي أشار إليها صاحب (كعبة الطائفين) بالتفصيل، ويبدو منها أن مقام العلماء عندئذ كان غير محمود (٢). وهنا تحضر إلى الذهن أيضا معاملة الباي حسن بوهران للشيخ محي الدين وابنه عبد القادر (الأمير فيما بعد) حين توجههما إلى الحج سنة ١٢٤٣، فقد حجزهما عنده بدعوى الخوف عليهما. ولم يسمح لهما بالسير إلا بعد تدخلات وتوسلات واستعمال الرشوة.

أما في قسنطينة فإن تدخل العسكر والبايات في شؤون العلماء كان أمرا ملفتا للنظر حقا. وإذا رجعنا إلى (منشور الهداية)، الذي عالج فيه صاحبه العلاقة بين العلماء والولاة، نجده يذكر الكثير من الحوادث التي سجن فيها العلماء وغرموا ونفوا وأهينوا وصودرت أموالهم حتى أن بعضهم كان يموت في سجنه، وبعضهم كان يمنع من (رفع القلم)، والمرء يحس وهو يقرأ هذه الحوادث أنه أمام رواية مضحكة مبكية في نفس الوقت. فهذا جد المؤلف، وهو عالم مفسر، يجد نفسه في قصر الباشا بالجزائر ثم يفر، رغم شيخوخته، إلى زواوة ثم يلقي عليه القبض ويعاد إلى الجزائر فيسجن ثم يطلق سراحه.


(١) أبو حامد المشرفي (ذخيرة الأواخر والأول) مخطوط، ١٢. وأضاف المشرفي أن ابن للو قد ذهب أولا إلى وادي غريس فوجد به قوما يستعملون أسماء غير إسلامية مثل عنتر وبوعجاج فقال هنا تبر يميني، ثم ذهب إلى معسكر، الخ. ووصف ابن للو أنه (خاتمة أدباء تلمسان من المتأخرين) ويلح المشرفي على أن القائد حفيظ كان تركيا.
(٢) انظر ذلك في دراستي لـ (كعبة الطائفين) في كتابي (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).

<<  <  ج: ص:  >  >>