والتواريخ)، وهذا ما كان يرغب فيه السلاطين المتذوقين للآداب والأخبار بخلاف ولاة بلاده الجزائر. وقد توفي ابن عبد الكريم في فاس سنة ١١٠٢ (١).
أما ابن الكماد (محمد بن أحمد القسنطيني) فقد رحل من قسنطينة إلى المغرب، وهو من عائلة شهيرة بالعلم والشرف تولت القضاء والتدريس والإفتاء في قسنطينة جيلا بعد جيل. وقد ذكرنا منها عمر الوزان. ولكن المنافسين كانوا كثيرين، وكانت طرق المنافسة غير شريفة. لذلك اختار عدد من العلماء الهجرة على الدخول في حمأة المنازعات الشخصية، ومنهم محمد بن الكماد الذي كان ينتسب إلى الشرفاء ويضيف إلى اسمه نسبة (الحسني). فبعد أن درس في زواوة على محمد المقري وفي العاصمة على محمد بن سعيد قدورة واشتهر بالحفظ، قصد فاس التي كانت موئل العلماء، لوجود جامعة القرويين من جهة ولأنها عاصمة سياسية غير عثمانية تحترم فيها العربية وعلومها. ولعلمه وفضله ازدحم الناس عليه ولا سيما عند تدريس الأصول على جمع الجوامع للسبكي. ولفت ذلك إليه نظر السلطان وارتفعت مرتبته (لدى أرباب الدولة ونال حظوة كبيرة) وكان دؤوبا على المطالعة لا يراه الرائي إلا دارسا أو مطالعا أو مقرئا. فهو منقطع للدرس كثير الصمت حتى (واجتمعت الكلمة على أنه أحفظ علماء عصره) وكان ابن الكماد قد دخل أيضا تطوان. ويبدو أنه لم يجد فيها الاستقبال اللائق به فقال بيتا ذهب مضرب المثل:
لهف نفسي على كسوف ... شمس العلوم وذلة الغرباء
ولانقطاعه للتدريس لم يؤلف الكتب. ويذكر له مترجموه أجوبة على نوازل مختلفة كانت ترد إليه من العامة والخاصة. ولكننا لا نعرف ما إذا كانت
(١) الكتاني (سلوة الأنفاس) ٣/ ١٥١. وقد ذكر الكتاني أن صاحب (المنح البادية) قد ترجم لابن عبد الكريم الجزائري، وعد له هناك سبعين شيخا. وكذلك ترجم له القادري في (نشر المثاني) , ومن تلاميذه أحمد بن عبد القادر التستوني (أو التستاوني) صاحب المؤلفات العديدة. انظر (إتحاف أعلام الناس) ١/ ٣٢٩. انظر أيضا الخزانة العامة بالرباط، ك ١٠١٦ مجموع.