للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي يقال إنه لازمه حتى أدركته الوفاة (١). ومع علمه وعزلته واشتغاله بالدرس لم ينج من لهيب السياسة. فقد قيل إن أحد المتهمين (ولعله من طلابه) قد فر إليه فآواه عنده فاتهم التواتي بإيواء الهاربين وكاد يفتك به ولاة قسنطينة لولا أنه فر إلى نقاوس وباجة بتونس حيث عانى من الحرمان والظلم إلى أن توفي بالطاعون، كما عرفنا، سنة ١٠٣١.

غير أنه ليس كل علماء المغرب كانوا على نمط التواتي علما وورعا.

فهناك المغامر أحمد الفاسي الذي طرق جميع الأبواب لينال حظوة باشوات الجزائر وبايات قسنطينة وقواد وشيوخ القبائل. ذلك أنه جاء إلى مدينة الجزائر ثم توجه إلى قسنطينة وكان فصيح اللسان حسن الخط شاعرا أديبا مداحا لأهل السلطة والجاه. وكان في بداية أمره ملازما للبادية يعمل كاتبا لبعض قواد عشيرة تعرف بالعبابسة، يمدحهم وينال منهم وكانوا أهل خيام وكرم. وقد وجد أحمد الفاسي في البادية من المال والوجاهة ما لم يجده في حاضرة قسنطينة. غير أنه لم يكن من العلماء بالمعنى الديني والأخلاقي للكلمة بل كان من المثقفين العابثين والأدباء الذين يعيشون حيث يجدون الملذات واللهو.

ومن أخباره أنه انضم في قسنطينة إلى جماعة كانت تسهر الليالي وتلهو بالطرب وشرب الدخان ونحو ذلك وتتظاهر بالخنا وتحب الشعر وتسمع الموسيقى وتتناول الخمور. وقد قال الفكون عن أحمد الفاسي إنه دخل (نادي أهل الفسوق وأعلنوا شرب الدخان وتظاهروا بالخنا وكانوا ينظمون الأشعار ويمدحون البندار، والمزهر والطار، ويذكرون سلافة الخمار، وكان الفاسي يثني على الخمر ويستدل عليها بأشعار من الصوفية فيها الكاس والسكر والحان والدنان). وكان الفاسي وجماعته يهجون من خالفهم من العلماء. ولا شك أن سلطة قسنطينة كانت تسكت على هذه الأحوال التي


(١) يقول العياشي إن الثعالبي قد درس على محمد التواتي في بسكرة بينما لم يذكر الفكون من البلدان التي ذهب إليها التواتي غير نقاوس وباجة. فلعل التواتي البسكري غير التواتي القسنطيني.

<<  <  ج: ص:  >  >>