أحمل مشروع مواصلة البحث في التاريخ الثقافي أثناء الثورة، وحين عرضت المشروع على المركز الوطني للبحوث والدراسات في تاريخ الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، سارع بالترحيب به وتعاقدنا على إنجازه، فشمرت على ساعد الجد وبذلت الجهد إلى أن وفقني الله بإكمال الكتاب على الوجه الذي هو عليه الآن.
يتميز هذا المجلد عن إخوته بأنه كتب بناء على عقد محدود الزمان، وبأن جزءا منه قد كتب مباشرة على الحاسوب، بينما لم يسبق لي أن فعلت ذلك من قبل، فقد تعودت أن أكتب بحرية زمنية بحيث لا أحس بأي ضغط، مادي أو نفسي، رغم أن الطرف المتعاقد معي لم يتدخل مطلقا ليشعرني بالوقت، كما تعودت أن أكتب وأصحح على الورق بالطريقة التقليدية، قبل أن أسلم عملي إلى الراقن أو الطابع ليكمل مهمته، أما مع هذا الكتاب فقد حررت وصححت على الحاسوب، بالإضافة والحذف والتقديم والتأخير ... ومع ذلك فهناك فصول وفقرات كتبتها خارج الجزائر وبالطريقة التقليدية، كما اعتدت أن أفعل في الماضي.
إلى الآن مازلت عندر أيي في الكتابة عن تاريخ الثورة، فما زلت أرى أن الوقت لم يحن بعد للكتابة عن تاريخها المفصل، ولاسيما تاريخها السياسي والعسكري والدبلوماسي، أما تاريخها الثقافي فهو في نظري متاح، ومع ذلك فليس من السهل الخوض فيه، إنه قد يبدو للبعض أنه لا يعرض الكاتب للتبعات والأحكام المسبقة ولما قد يعتبره البغض محرما أو مضرا بالآخرين، ولكني أرى أن التاريخ الثقافي أيضا محفوف بكل الأخطار فهو يتعرض للأشخاص، بل لفئة معينة محسوبة على النخبة الاجتماعية التي قد ترى في الأحكام الصادرة عنها خطرا عليها أو تزكية لغيرها، والمثقفون والفنانون وأمثالهم يريدون - ربما أكثر من السياسيين - أن يستفيدوا أيضا من الثورة، فيقال عنهم إنهم ساهموا في خدمتها وعانوا من أجلها حتى ولو لم يشاركوا فيها من قريب أو من بعيد، بل حتى لو وقفوا منها موقفا غير مشرف.