وستعرف من هذه الدراسة أن القائمين على الثورة، ولاسيما منذ ١٩٥٦ قد مالوا عن هذه الثوابت وانفتحوا على ما يشبه (العولمة) اليسارية، فهبت على الثورة رياح عديدة مع الجيل الجديد المنضم للثورة ومع (الأصدقاء) الذين أرادوا أن يجربوا في الثورة الجزائرية ما فشلوا في تحقيقه في نقاط أخرى من العالم، أي أرادوا تدويل الأفكار التي يؤمنون بها، لاسيما وأن في الثورة الجزائرية مجالا للشعبية غير المتاحة في الثورات الأخرى، ما عدا ربما في الثورة الفيتنامية، ويظهر تخلي الثورة عن الثوابت في النصوص الصادرة عنها مثل البرامج والاتفاقات والتصريحات، وفي بعض الأحيان كان هناك وجهان للثورة: وجه تعيش به في الداخل ووجه تتحدث به في الخارج، وعندما حاول الخارج فرض مفاهيمه على الداخل سنة ١٩٦٢ حدث تناقض كبير، ولكن الغلبة كانت لمفاهيم الخارج كما أشرنا.
إن هذا المجلد ليس دراسة فلسفية عن الظاهرة الثقافية للثورة الجزائرية، فلو أردنا ذلك لاكتفينا بالانتقاء والتركيز على نماذج معينة صغناها في أفكار وقوالب نظرية، ولكن هدفنا هو متابعة التطور الثقافي للجزائر خلال الثورة، وهذا المنهج اقتضى منا أن نجمع الإنتاج، سمينه وغثة، وتدوينه وتصنيفه حفاظا عليه من التلاشي، لذلك وسعنا من دائرة مفهوم الثقافة لتشمل حتى الإعلام والقضاء والصحة، وتناولنا الجانب النظري في النصوص والأعمال الفكرية مثل أفكار مالك بن نبي ومصطفى الأشراف وفرانز فانون، بالإضافة إلى العناوين المتعارف عليها في الثقافة مثل التعليم والسينما والمسرح والرسم والموسيقى، وتجب الملاحظة أن بعض العناوين لم نستطع تغطيتها كما رجونا لعدم توفر مادتها حاليا مثل المكتبات والمتاحف والمؤسسات التعليمية كالجامعة ومعاهدها.
لذلك اختلفت مادة هذا المجلد عن باقي المجلدات السابقة في بعض التفاصيل، فهو مثل سابقيه يجمع مفهوم الثقافة في كونها (جزائرية) بقطع النظر عن كون العمل الثقافي أنتجه جزائريون ثائرون على الاستعمار أو عاملون فى