للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمشاغبات واللجوء إلى القوة وتحكيم الهوى والعادات القبلية أكثر من تحكيم الدين والقواعد الإنسانية والتضامن الاجتماعي. لذلك كان العلماء في الأرياف يقومون بإعادة الحق إلى نصابه ويفتون الناس فيما جهلوا. فتوريث المرأة كان في بعض الجهات غير معمول به فتدخل العلماء وأنصفوها باسم الدين. وكان تقسيم الأراضي لا يخضع إلا لتقاليد القبيلة فأصبح بتدخل العلماء يخضع لقواعد الشرع. والحروب التي كانت لا تنطفيء لها نار بين أهل القرى والأعراش هدأت بفضل تدخلهم أيضا. فعبارة (إصلاح ذات البين) التي طالما كررها الورتلاني كانت تعني تلك الأمور التي ذكرناها جميعا، وقد كان هو وأمثاله يقومون بها خير قيام (١).

وكما كان العلماء يفتون ويقضون ويحلون مشاكل العامة كانوا أيضا يتدخلون لإطفاء نار الفتن السياسية الداخلية والخارجية. وقد مرت بنا نماذج على ذلك مثل تدخلهم بين شعبان خوجة باشا والإنكشارية. ومثل تدخل شيخ الإسلام في عدة حوادث بقسنطينة. وكان العلماء أيضا يشاركون في وفود المفاوضات بين الجزائر وجاراتها مثل ما حدث سنة ١٠٣٧ بالنسبة لتونس وسنة ١٠٦٤ بالنسبة للمغرب. وقد أشرنا أيضا إلى بعثة محمد القوجيلي إلى إسطانبول سنة ١٠٦٥ وبعثة ابن العنابي للمغرب وإسطانبول أوائل القرن الثالث عشر. فالعلماء كانوا يقومون بإصلاح ذات البين سواء بين العامة أو الولاة والسلاطين (٢).

ولكثرة النزاع بين المسلمين والنصارى (وخصوصا الإسبان)، ولمكانة اليهود لدى الباشوات والبايات كان العلماء يتجادلون في شأنهم وموقف الدين منهم. فالحرب البحرية والجهاد في سبيل الله خوفا من غارات الإسبان على السواحل وضد وجودهم في وهران قد تعرضنا لها سابقا. كذلك كان


(١) انظر مثلا ما قاله الورتلاني عن هذا الموضوع في رحلته، ٨، ١٣، ٦٠، ٨٤.
(٢) يجد المرء وصفا دقيقا لإقناع وفد علماء الجزائر السلطان محمد بن الشريف صاحب سجلماسة سنة ١٠٦٤ بالتوقف على إثارة الفتنة في الجزائر ضد العثمانيين وذلك في (الاستقصا) للناصري ٧/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>