تعينهم الإدارة وتحدد لهم اختصاصاتهم بدل أن يكونوا مستقلين، أما العلماء فكانوا يرون تسليم الشؤون الإسلامية إلى جماعة المسلمين لأنها وحدها الكفيلة والمؤهلة لإدارتها، رافضين أي تدخل فيها من الإدارة، كما كانوا يطالبون الإدارة بإعادة الأوقاف (الأحباس) إلى جماعة المسلمين أيضا، وهي الأوقاف التي استولت عليها فرنسا منذ الاحتلال، وطالب العلماء منذ مايو ١٩٥٠ بإنشاء مجلس إسلامي أعلى مؤقت يتكفل (بالتعاون مع رؤساء الجمعيات الدينية الجديدة المنتخبين) بإدارة الأوقاف والموارد الرئيسية الضرورية لأجور الموظفين الدينيين، وقد ظلت هذه القضية تراوح مكانها إلى اندلاع الثورة، وكانت من القضايا التي زادت في بعد المسافة بين العلماء والإدارة، ومهما كان الأمر فإن العلماء لجأوا بعد فشلهم إلى إنشاء المساجد الحرة التي انطلقوا منها في دروس الوعظ والإرشاد وهي مشيدة بأموال أنصارهم، وقد نجحوا في ذلك نجاحا كبيرا (١).
أما المجال الآخر الذي نشط فيه العلماء ونجحوا فيه فهو نشر اللغة العربية والدفاع عنها، بالإضافة إلى أنهم طوروا الصحافة العربية وأسهموا في حركة الطباعة العربية، وكلها كانت مظاهر لنهضة تعليمية وأدبية واضحة، وإليك بعض الإحصاءات الأخرى عن عدد المدارس والتلاميذ الذين تشرف عليهم جمعية العلماء ابتداء من ١٩٤٧، ففي هذا التاريخ كان عدد التلاميذ حوالي عشرين ألفا وعدد المدارس حوالي تسعين مدرسة، وفي التاريخ المذكور افتتحوا، كما سبق، معهد ابن باديس الذي كان يضم حوالي ٧٠٠ تلميذ يتأهلون فيه للالتحاق بجامع الزيتونة.
وفي سنة ١٩٥٤ أعلنت الجمعية قائمة بمدارسها فإذا هي ١٢٤ مدرسة وعدد معلميها ٢٧٤ معلما، ولكنها في سنة ١٩٥٤ أعطت رقم أربعين (٤٠) ألف تلميذ، بينما الإدارة الفرنسية تضع الرقم في حدود ٢٢٠٠٠ تلميذ، أما في
(١) شارل روبير آجرون، تاريخ الجزائر المعاصرة، ج ٢، ص ٥٨١ - ٥٨٢.