طريق الاقتصاد لا تصدمه مواقف العلماء منهم، لأن هؤلاء كانوا يمثلون الطبقة الواعية في المجتمع. وقد كان اليهود في الأخير هم السبب القوي في النزاع الذي حصل بين الجزائر وفرنسا والذي أدى إلى الاحتلال.
وقد كان سخط العلماء السياسي ينعكس أحيانا على اليهود. فقد ثبت أن أحد يهود قسنطينة، ويدعى المختاري، كان قد أسلم ثم تجاسر على النبي (صلى الله عليه وسلم) أمام المسلمين. وكان المختاري محميا من الباي ومن حراسه وحاميته لأنه أصبح في جند الباي. ولما أحيلت القضية إلى العلماء انقسموا حولها فبعضهم أفتى بقتل المختاري وبعضهم أفتى بعدم قتله. وكان من أصحاب الرأي الثاني فريق الباي والعلماء المؤيدين له وكذلك الجنود الذين كانوا يهددون بالثورة إذا قتل صاحبهم. ومن جهة أخرى كانت العامة تطالب بقتله. وانعقد المجلس (المفتون والقضاة وغيرهم من العلماء) في الجامع الكبير. وكان الجنود وأنصارهم يؤيدون الشيخ يحيى بن محجوبة الذي كان يقول بعدم قتله، بينما كانت العامة تناصر الشيخ عبد الكريم الفكون (الجد) الذي كان يقول بقتله. ورغم تدخلات أنصار الباي والتهديد فإن حكم المجلس قد صدر بقتله (١). ويبدو أن تنفيذ الحكم فيه كان خوفا من ثورة العامة أكثر مما كان خضوعا لإصرار الشيخ الفكون وقرار المجلس.
وفي هذا الصدد نذكر أن أحد العلماء الجزائريين بالمغرب قد أسهم في قضية أخرى تتعلق باليهود أيضا وكانت قد أثارت ضجة بين العلماء هناك. فقد استظهر اليهود المغاربة برسم تاريخي يعطيهم حقوقا كانت لهم، في دعواهم، زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وزمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم. ولكن
جواب الشيخ محمد بن عبد القادر الفاسي نفى عنهم تلك الحقوق، بينما وافق عليها البعض. أما محمد بن أحمد القسنطيني فقد صحح وعضد جواب
(١) انظر القصة في (منشور الهدية) مخطوط. وكانت هذه الحادثة في أوائل العهد العثماني بقسنطينة، لأن الفكون الذي أفتى بقتل المختاري قد توفي سنة ٩٨٨ وهو جد صاحب (منشور الهداية).