غياب الجهة التي يسلمون إليها المقاليد الإسلامية، وقد تنازعت في ذلك جمعية العلماء وجهات أخرى في المجلس الجزائري وتيار المرابطين والعلماء الرسميين، وكان ذلك التنازع (الذي كانت تغذيه الإدارة نفسها) بردا وسلاما على الفرنسيين لأنه برر لهم الاحتفاظ بشؤون الديانة الإسلامية تحت أيديهم.
ويبدو أن أتباع حركة الإخوان المسلمين في الجزائر اعتقدوا (مثل غيرهم) أن ثورة الجزائر هي ثورة جهادية بالمعنى الديني للكلمة فاستبشروا بها خيرا ودعموها عن قرب وعن بعد، فانضم إليها من استطاع في الجزائر باسم الجهاد في سبيل الله، وطلب الشهادة، ولكن ذلك كان موقفا غير شامل ولا حاسم، فجمعية العلماء مثلا قد تريثت في الدعوة إلى الجهاد جهارا من الجزائر لأنها كانت تعرف أنها جمعية غير سياسية ولها رسالة محددة، ولم يكن الجهاد والثورة والعمل السياسي المباشر داخلا في برنامجها، ومن جهة أخرى كان دعاة الثورة غير معروفين للجمعية، أما رئيسها (الشيخ الإبراهيمي) فقد أعلن من القاهرة تأييده للثورة والجهاد دون ذكر دعاتها، وأما رجال الدين الرسميون وهم الموظفون لدى الإدارة الفرنسية، فلا حول لهم ولا قوة لأنهم كانوا يأتمرون بأوامر الإدارة، فهم غير مستقلين بأي قرار جماعي.
أما الصنف الثالث من رجال الدين فهم أهل الزوايا والطرق الصوفية، وقد كانوا أيضا مشتتين وليس لهم مؤسسة تجمعهم ولا صوت ينطق باسمهم، وإذا كان هناك صوت منهم فهو صوت صنعته الإدارة نفسها لينطق باسمها وقت الحاجة كاتحاد الزوايا الذي ظهر في الثلاثينات من القرن العشرين لدعم فرنسا في الحرب ضد ألمانيا وإيطاليا.
فكان على مختلف هذه الفئات الدينية أن تتصرف، كل على حدة، بما تراه مناسبا، ولعل صنف الإخوان (وعددهم قليل) كان أكثرهم حيوية وتحررا وأكثرهم وضوحا في رؤية المستقبل، ومنهم الشيخ أبو بكر جابر الذي سبق أن هاجر إلى الحجاز في نهاية الأربعينات أو بداية الخمسينات من القرن العشرين