ومن المدينة المنورة حيث كان يدرس في المسجد النبوي بعث الشيخ أبو بكر جابر برسالة إلى السيد محمد خيضر (ممثل جبهة التحرير بالقاهرة) مبديا استعداده الشخصي للمشاركة في معركة التحرير، إلى أي حد كان ملتزما بما قال؟ ذلك لا نعرفه إلا من خلال المراسلات التي تمت بينه وبين محمد خيضر وغيره، وربما من خطبه ودروسه، ويبدو أن جبهة التحرير لم تكن في حاجة إلى حماسة ومواعظ الشيخ جابر وإنما كانت في حاجة إلى مال السعودية وبنادق روسيا ودعم الغرب والشرق على السواء ضد الاستعمار الفرنسي، دون إعطاء الثورة في الخارج أي طابع جهادي أو ديني (١).
أبقى الفرنسيون على بعض المساجد الرسمية في مختلف المدن الجزائرية، وجعلوا على كل مسجد رسمي هيئة تتمثل في الإمام وأحيانا المدرس والقيم والمؤذن وبعض الأعوان الذين يقومون بحاجة المسجد من غلق وفتح ونظافة وصيانة، وأحيانا إقراء القرآن الكريم، وإلى جانب هذه المساجد الرسمية هناك مساجد شعبية بناها الشعب من حر ماله وأوقف عليها ما يلزمها من الأوقاف (الأحباس)، وفي عهد الحركة الإصلاحية ظهرت مساجد حرة كثيرة غير تابعة لا للدولة الفرنسية ولا للزوايا والطرق الصوفية، ولكنها مساجد بناها المتأثرون ي لحركة الإصلاحية للصلاة ودروس الوعظ والإرشاد والإصلاح والوطنية، وهكذا يمكن الحديث عن مساجد رسمية ومساجد شعبية، والمساجد الأخيرة تكثر في الأرياف والقرى والمدن الصغيرة.
أما المساجد الرسمية فموجودة في المدن الكبيرة على الخصوص، وقد ذكرنا في مؤلفا السابق ما فعلته الإدارة الفرنسية بهذه المساجد وكيف استولت
(١) عن مراسلة الشيخ جابر مع خيضر أنظر الأرشيف الوطني، رسالة رقم ٢٥، في سلسلة ٢، علبة ١ - ٢٠، وليس هناك رد من خيضر على هذه الرسالة، حسب علمنا، عن هذا الموضوع أنظر أيضا الفصل الأخير من هذا الكتاب، (لم ينجز بعد)