جدا بالثقافة العربية والإسلامية، فلم يكن معروفا عنهم لدى زملائهم أنهم تلقوا أي قدر من ثقافة الزوايا أو الكتاتيب القرآنية، فما بالك بالمعاهد الإسلامية كالزيتونة والقرويين، ولو كان المشرف على بيان أول نوفمبر رجالا من أمثال الأمير عبد القادر أو الحاج محمد المقراني أو الشيخ الحداد أو الصادق بن الحاج ... لاختلفت صياغته بالتأكيد واتضحت فيه الإيديولوجية الثقافية والانتماء الحضاري، صحيح أن الزمن قد اختلف واختلفت معه العقليات والاهتمامات ولكن الأصل ظل قائما، وبدون أن نذهب بعيدا، فلو أن الذي صاغ البيان هو ابن باديس أو أحد تلاميذه لكان له توجه آخر وقوة لغوية واضحة. إن هذا البيان كان في الواقع نتاج مرحلة سياسية محددة أدت إلى أن يصوغه وطنيون ذوو ثقافة ماركسية علمانية بعيدين كل البعد عن التراث الثقافي لوطنهم مما أبعدهم عن هويتهم - ما عدا الروح الوطنية والولاء للجزائر التاريخية والجغرافية - لأن السياسة الاستعمارية التي دامت قرنا من الزمن قد أبعدتهم عن حقيقة أنفسهم حتى أصبحوا يفكرون بحقيقة الغير، بل أصبحوا لا يرون في الوطنية إلا في إطار المبادى العلمانية التي تلقوها من ثقافة المحتل أو قرأوها في الصحافة المعاصرة، أو اكتسبوها من ممارسة النشاط السياسي على أرض الواقع، وهي التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والعادات، وكلها تعبيرات مجردة غير مرتبطة بالتراث الثقافي الصميم. وحتى بعد أن تقدمت الثورة لم تنضج عند قادتها فكرة الانتماء الحضاري ولا العمق الثقافي، فلم يتداركوا في كتاباتهم ما فات محررو البيان، فقد كتب كريم بلقاسم وفرحات عباس وابن المهيدي وغيرهم في (المجاهد) عن التحضير للثورة واتخاذ القرارات الأولى وما حصل في الاجتماعات ومسار الثورة في الداخل والخارج ... ومع ذلك لا نجدهم يذكرون البعد الفلسفي أو الروحي أو الإسلامي أو العقائدي للثورة، فهم يكتفون برد أحداثها وحصول الاجتماعات حولها والقرارات التي اتخذت بشأنها ومسارها ومناضليها (البسطاء)، انظر مثلا