بالثقافة الإسلامية للجزائر، ولكن ذلك ليس برنامجا مشروطا لسياسة فرحات عباس أو منهاجا يسير عليه في التعامل مع السلطة الفرنسية، شأن جمعية العلماء أو الأحزاب المحافظة في البلدان الأخرى مثل حزب الاستقلال في المغرب وحزب الدستور القديم في تونس، ولا ندري ما النقاش الذي دار في المجلس الوطني ولجنة التنسيق والتنفيذ عندما تقرر تعيين السيد فرحات عباس على رأس الحكومة المؤقتة: من اقترحه، ومن عارض تعيينه، وعلى أي أساس؟ ومهما كان الأمر فإن الأصداء التي بلغتنا عندئذ ونحن طلاب تقول بأن فرحات عباس قد اختير للحكومة إفحاما لفرنسا والغرب بأن الثورة ليست معادية للحضارة الغربية ولا للثقافة الفرنسية بدليل أن عباس من المعجبين بهذه الحضارة ومن المعتدلين وغير شيوعي، كما أنه شخصية سياسية معروفة. ومهما كان الأمر فلا شك أن ردود الفعل في محافل الثورة والرأي العام الجزائري كانت متنوعة، وكان بعضها يتساءل عن مصير الثقافة في الجزائر إذا كان فرحات عباس هو قائد سفينتها وهو رمزها، وقد يؤخذ ذلك على أن الثورة عندئذ لم يكن يهمها الشأن الثقافي على الإطلاق، وإنما الذي كان يهمها هو الشأن السياسي والعسكري، أما الثقافة فقد أسندت إلى الشيخ أحمد توفيق المدني، وهو من جمعية العلماء في الطيف الفكري الذي انبثق عن مؤتمر الصومام، وبالإضافة إلى ذلك فالشيخ المدني من جامع الزيتونة ومن المدرسة الخلدونية حيث ازدهرت الثقافة العربية والعلوم الإسلامية، فما الذي يمنعه من بناء الثقافة الوطنية في عهد الثورة على قاعدة صلبة طابعها ويسمها بميسم الأصالة والتقدم؟ ولكن هناك موانع ومثبطات. فبالرغم من عمق قناعة الشيخ المدني بالانتماء العربي الإسلامي للجزائر وحرارة إيمانه بتاريخها ولغتها فإن شخصيته وماضيه لا تجعلان منه ذلك المدافع الصامد عن هذا الاتجاه، فقد كان هناك من ينظر إليه على أنه (تونسي) منفي في الجزائر، وبهذه الصفة كان عليه أن ينفذ ما يتفق عليه لا أن يبادر أو يفرض رأيه في الشأن الثقافي الجزائري، وقد دأب الجزائريون عامة أيام الثورة على