إسناد الشؤون الثقافية إلى رجل متكون في المعاهد العربية الإسلامية مما قد يفهم منه احترام الانتماء الثقافي أو يفهم منه عدم الاهتمام أصلا بقضية الثقافة، وهكذا فحين تجددت الحكومة المؤقتة عين السيد عبد الحميد مهري وزيرا للشؤون الثقافية، وهو رجل متخرج من جامع الزيتونة وعميق الإيمان بالثقافة العربية كما أنه من عائلة متدينة، وأذكر أن فروع اتحاد الطلبة في الخارج كانت تسند النشاط الثقافي أيضا إلى أحد الطلاب المتخرجين من معهد عربي إسلامي، كلما أمكن ذلك. ويخبرنا أحمد توفيق المدني في مذكراته أن المصريين كانوا يعارضون تعيين فرحات عباس على رأس الحكومة المؤقتة، لأنهم كانوا لا يثقون فيه، كما أنه كان لا يثق فيهم، فهم يرون الذين قاموا بالثورة أول مرة أحق منه بهذه المهمة، وينظرون إليه على أنه مندس من أجل تحويل مسار الثورة نحو الغرب وليس نحو المشرق والعروبة، ومن رأي المدني أن المصريين قد أخفقوا في معارضتهم تعيين فرحات عباس. قام المدني نفسه بتعريب بيان الحكومة المؤقتة يوم ١٩ ستمبر ١٩٥٨ ووزعه على الصحفيين العرب والغارات العربية والسلطات المصرية، واعترفت الجمهورية العربية المتحدة والعراق وباكستان وليبيا واليمن بالحكومة المؤقتة، ولا يتحدث البيان الحكومي عن هوية الجزائر على الإطلاق، وهو أمر يثير الدهشة بالنسبة لثورة تكافح من أجل استعادة الاستقلال الذي يعني استعادة الأصالة والهوية الوطنية، ثم وجه فرحات عباس إلى جمال عبد الناصر رسالة خاصة قام المدني بتعريبها أيضا، كما وجه عباس رسائل أخرى إلى رؤساء وملوك العرب، وكانت الرسالة مرفقة بمذكرة قانونية صاغها القانوني محمد البجاوي مع قائمة بأسماء الوزراء، وقد جاءت في هذه الرسالة عبارات غامضة مثل إن استقلال الجزائر سيكون عامل استقرار في المغرب العربي وفي البلدان العربية كلها (التي نعتبرها وحدة لا تتجزأ)، وفي هذه الرسالة طلب أو رجاء أن تكون الجمهورية العربية المتحدة أول من يعرف بهذه الجمهورية (الجزائرية)