فكان يتخاطب مع الفرنسيين ويحرر وثائقه ومعاهداته بلغتهم لا بلغته. فموضوع السيادة اللغوية كان غائبا لدى الوفد.
والغريب أنه لم ينص في الاتفاقيات على أن العربية ستكون لغة الجزائريين في التعليم والإدارة والمعاملات بحيث لم تذكر العربية سوى مرة واحدة، فقد جاء في إعلان المبادى أن المناهج التي تسير عليها المنشآت التعليمية التي تؤسسها كل بلاد في البلد الآخر تعلم لغة الآخر - فالجزائر تعلم العربية في مدارسها بفرنسا وفرنسا تعلم العربية في مدارسها بالجزائر، كما نص على أن كل بلد يشجع دراسة اللغة والتاريخ وكذلك الحضارة الخاصة بالبلد الآخر.
وقد ركزت الاتفاقيات على احترام وتعليم اللغة الفرنسية في الجزائر بالنسبة للفرنسيين الذين كان متوقعا بقاؤهم بعد الاستقلال سواء كانوا من حملة الجنسية الفرنسية أو الذين اختاروا الجنسية الجزائرية، بحيث يمارسون اللغة الفرنسية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية والتعليم.
ويفهم من سياق النص وإلحاح الصائغ أن الثقافة الفرنسية، ممثلة في التعاون العلمي والتعليمي والتقني والفني ستكون هي السيدة في الجزائر.
وإليك بعض التفاصيل، فالاتفاقيات نصت على أن تضمن الجزائر مصالح فرنسا والحقوق المكتسبة للأفراد الحقيقيين والمعنويين بالشروط التي تحددها هذه الاتفاقات، فإذا فعلت الجزائر ذلك فإن فرنسا ستقدم إليها المساعدة الفنية والثقافية ... وبعد الحديث عن التعاون الاقتصادي والاجتماعي والمالي تقول الاتفاقيات إن فرنسا ستبقى على القوانين واستغلال ثروات الصحراء والتعدين وأنها مع الجزائر ستبقى العلاقات الثقافية بحيث يستطيع كل بلد إنشاء مكتب ثقافي وجامعي في البلد الآخر، وهذه المنشآت ستفتح أمام الجميع، وتتعهد فرنسا بتقديم مساعدتها لإعداد الفنيين الجزائريين وستضع الحكومة الفرنسية موظفين فرنسيين لدى الحكومة الجزائرية، وخاصة المدرسين والفنيين (١).
(١) ابن خدة، اتفاقيات إيفيان، الترجمة العربية، ط، ٢٠٠٢، ديوان المطبوعات الجامعية.