للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل هذا الاختيار الاشتراكي الواضح هو الذي جعل رجلا مثل ابن خدة يعترف ولكن بعد عقود بأن برنامج طرابلس كان في الأساس يتنافى مع الإسلام رغم أن التصويت عليه في المجلس كان بالإجماع، ومعترفا أيضا أنه قد صوت لصالحه (عن حسن نية؟) رغم أن البرنامج كان يدور حول محورين هما الاختيار الاشتراكي والحزب الواحد (١).

ولكن برنامج طرابلس لم يهمل الإشارة إلى أن الشعب كان (قبل الثورة متعلقا بالقيم الوطنية التي صيغت في إطار الحضارة العربية الإسلامية)، والدليل على ذلك تأسيسه المدارس العربية الحرة وصيانتها رغم معارضة الإدارة الاستعمارية، كما أشار إلى أمر جديد وهو أن الولايات خلال الثورة بذلت جهودا كبيرة لتجعل الثقافة الوطنية في متناول الشعب، وهذا ينسجم تماما مع ما درسناه من أن جيش التحرير جسد مظاهر عديدة من هذه الثقافة في القضاء والتعليم وممارسة الطقوس الدينية ونحوها.

أما بعد الاستقلال فقد أراد البرنامج الاسمترار في جعل الثقافة في متناول الشعب ولكن في أسلوب جديد، فبعد التحفظات على الممارسات القديمة للثقافة ألح على (استعادة الثقافة الوطنية والتعريب التدريجي للتعليم اعتمادا على أسس علمية)، وهي مهمة تتطلب توفير (وسائل عصرية لا يمكن تحقيقها بالتسرع دون خطر الضحية بأجيال كاملة) وهذه التحفظات (٢) هي كلها عقبات ليس من السهل تجاوزها، ولكن البرنامج كان واضحا في الدعوة إلى المحافظة على التراث الوطني أو الثقافة الشعبية، وهي إشارة فيما يبدو إلى الثروة الفولكلورية للهجات المحلية والتقاليد الشعبية، كما كان واضحا في الدعوة إلى


(١) ابن خدة، شهادات ومواقف، مرجع سابق، ص ١٥٣ - ١٥٤.
(٢) اللجوء إلى التدرج وانتظار الوسائل العصرية والتحذير من التسرع الذي قد يؤدي إلى التضحية بالأجيال، واشتراط العلمية في التعرب ...

<<  <  ج: ص:  >  >>