للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه لذاته، ومن جهة أخرى دعا محررو البرنامج إلى تخليص الإسلام مما أسموه بالبدع والأوهام التي كبلته ومست جوهره لكي يظهر على حقيقته في الثقافة والشخصية الوطنية، وهي الشخصية المرتبطة بالثقافة الوطنية الثورية والعلمية، تلك الشخصية التي صقلها وأبرزها الكفاح التحريري بعد أن كانت مجهولة والتي ستتقوى مع الأيام لقدرة الشعب الجزائري على (مسايرة العصر دون قطع الصلة بماضيه).

ويبدو أن محرري برنامج طرابلس قد أحسوا بالفراغ العقائدي للثورة، وهو الفراغ الذي كان المثقفون يشيرون إليه عادة في البيئات الخارجية، فأرادوا إبراز هذا الجانب الآن وتبرير الفراغ المشار إليه أثناء الثورة فقالوا إن طابع الثورة كعملية تحرير قد تغلب على الثورة كمشرع عقائدي أيام الكفاح، أي أن العملي قد سبق النظري، أو أن التحرير قد سبق التفكير (كما أشيع فيما بعد) وهو ما يؤكد ما ذهب إليه أكثر من واحد من أن الثورة كانت تسير بدون إيديولوجية، وها قد أراد محررو البرنامج تدارك الأمر بعد الاستقلال وبعد اعترافهم بالفراغ السابق، ومع ذلك فإن كلمة الثورة في نظرهم، كانت تغذي حماس الجماهير وأن هذه الجماهير هي التي أعطتها بالفطرة معنى يتجاوز حرب التحرير نفسها، واعترفوا أيضا أن ما كان ينقص الثورة في الماضي وما يزال ينقصها في الحاضر هو الخط العقائدي الذي لا بد منه، أما الآن وقد توقفت حرب التحرير واستعاد الشعب الاستقلال فإنه لا بد من استمرارية الحرب ولكن على الصعيد العقائدي (إن الكفاح المسلح يجب أن يترك مكانه اليوم للمعركة العقائدية التي تعني الثورة الديموقراطية الشعبية ... التي تعني التشييد الواعي للبلاد في إطار المبادى الاشتراكية)، وبذلك حاول محررو برنامج طرابلس تفسير ما جاء به بيان أول نوفمبر حول (إقامة الدولة الجزائرية الديموقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادى الإسلامية) (١).


(١) ملفات وثائقية، ٢٤، نصوص أساسية لجبهة التحرير الوطني ١٩٥٤ - ١٩٦٢، أغسطس ١٩٧٦، وزارة الإعلام والثقافة، الجزائر، ص ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>