الفكرية حول الجزائر التي اتخذها نموذجا للتحرر، كان الرجل قد فرض نفسه على الأحداث زمن الثورة، فهو قد ثار على الاستعمار واكتشف ذاته في الثورة الجزائرية، كما اكتشف أصوله وجذور الهوية الإفريقية التي كادت أن تضيع، ومنها الهوية الجزائرية، كما فرض فانون نفسه يوم اندمج في الثورة فعالج مرضاها، ودرس شعبها وراقب تطور حركتها الوطنية، كان فانون جزءا من النظام الثوري فجرد قلمه للتعريف بالثورة وبرجالها وبقاعدتها الشعبية، وتبنى الجزائر وطنا وأصبحت الجذور الإفريقية ممثلة عنده في الهوية الجزائرية وأصبحت هزيمة الاستعمار في الجزائر تعني عنده هزيمة الاستعمار في إفريقيا وعودة الأمل إلى ملايين الزنوج الذين شتتهم السفن الأوروبية في شتى أنحاء العالم وجعلت منهم عبيدا وعمالا في بيئات مختلفة عن بيئاتهم الأصلية.
حين توفي فانون كتبت عنه (المجاهد) مقالا لخصت فيه حياته وفكره وقدمته لقرائها على أنه ابن الجزائر بالتبني وأنه خدمها كما خدمها أحد أبنائها البررة، فقد توفي دون الأربعين سنة من عمره بسبب مرض استعصى علاجه على الأطباء، ورسمت صورته ولكنها لم تذكر تاريخ الوفاة ولا مكانها، ووعدت بالرجوع إليه وإلى تفكيره الثوري، كما وعدت بنشر ترجمة لبعض الفصول من كتابه (معذبو الأرض)، وقد وفت بذلك.
ولد فانون في المارتنيك الخاضعة للاستعمار الفرنسي، وعاش في مدينة ليون الفرنسية، وهو من أب فرنسي وأم مارتنيكية، وتعلم في فرنسا وتخصص في علم النفس وتخرج طبيبا نفسانيا، وقد لاحظ الفرق بين فرنسي وفرنسي نتيجة لونه وأصله، وآمن بالعنف كوسيلة للتخلص من الاستعمار، رغم أن مظهره الهادى لا يدل على اعتناقه مبدأ العنف، وهو - شخص - كما قيل - حساس مرهف المشاعر، وكان يعتقد أن الثورة الجزائرية ليست ثورة محلية وإنما هي ثورة لتحرير الإنسان أينما كان من الاستعمار، كما آمن بالاشتراكية كوسيلة للعدالة الاجتماعية، وبالوحدة الإفريقية، كان فانون هادى المزاج أنيق اللباس يتمتع بوظيفة رفيعة قارة، وكان يمكنه أن يعيش عيشة راضية لو أراد، ولكنه