كيف يعذب الفرنسيون المثقفين وغير المثقفين في المعتقلات التي أقاموها لهم، أما المثقف فقد كان يدعى إلى التعاون معهم والبحث له عن مبررات، وبذلك يصبح مجبرا على أداء أحد دورين: التخلي عن الوطنية ومهاجمة قناعاته الفكرية، ويكون المطلوب منه التحدث (بحرية) مع المعارضين للوطنية وتقديم أبحاث عن إنجازات فرنسا وفضائل الاستعمار، وفي هذه الحالة يحيطونه بضباط الشؤون الأهلية (المخابرات) والنفسانيين المختصين، أما الدور الثاني فهو مساءلة أطروحة الثورة والتنكر لوجود أمة جزائرية أو شعب جزائري، وكذلك التنكر للوطنية، ومن ثمة يصبح الثوار أناسا مجرمين في نظره.
بذلك يصبح المثقف أداة في يد السلطة الاستعمارية تستعملها لصالحها ويصبح المثقفون ممثلين مسرحيين بطريقة مقنعة، كما على المثقف في هذه الحالة أن يبرهن بأبحاثه على طريقة مقنعة أيضا، وهو لا يترك وحده بل يكون محاطا بالمستشارين الذين يعطونه نقاطا على أبحاثه وأهميتها، ولا يترك في عزلة بل يكون دائما في جماعة، وقد يعدونه بالخروج من المعتقل إذا أحسن التعامل معهم، ولكنه يواجه وخز الضمير ويصبح متوجسا من نفسه ومن الآخرين: ماذا سيقول عنه إخوانه الذين سيتركهم وراءه يعانون وهو طليق، وقد تراوده أفكار أخرى: ماذا لو التحق بعد ذلك بالمجاهدين، من سيصدقه منهم؟ وما الوصمة التي سيصمونه بها، وهل قام بدور حقيقي أو كان مجرد ممثل؟ (١).
كانت وسائل إعلام جبهة التحرير دائمة الحديث عن تعذيب واغتيال المثقفين العاملين في صفوفها، من ذلك ما حدث للمحامي علي بومنجل، والأديب أحمد رضا حوحو، والشيخ العربي التبسي نائب رئيس جمعية العلماء، كما تحدثت عن بلاغات لاتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين حول مسائل سياسية ونقابية تتعلق باضطهاد الطلبة. وكان اغتيال الدكتور ابن عودة بن زرجب حادثا بارزا في تاريخ اغتيال