للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتراكمة في نفسه وديته إلى أن يرتحل من هذه الدار بموته) (١). وسنعرف المزيد عن حياة وسلوك وتأثير كل من الثعالبي والسنوسي.

ولعل النص التالي يصور هذا التحول العقائدي والاجتماعي الذي أشرنا إليه. فهو يتحدث عن الفترة الواقعة بين حكم الموحدين وحكم العثمانيين في المغرب العربي ولكنه يصدق بالخصوص على القرن التاسع الذي نحن بصدده. ونلاحظ من الآن أن هذا النص ينسحب أيضا على العهد العثماني مع إضافة شيء من المبالغة والإسراف. ورغم أن صاحب النص يتحدث عن المغرب العربي عامة فإن حديثه يصدق على موضوعنا بالطبع. والجزائر، التي كانت جزءا من هذه المنطقة، كانت أكثر تأثرا بما كان يحدث لأنها كانت، كما لاحظنا، مسرح معارك ومطمح غنائم. ولذلك كثر فيها هي بالذات الاضطراب والفوضى وسوء المعيشة، ومن ثمة هجرة العلماء منها وضعف الطاقة العقلية وانتشار الطرقية والاعتقادات الخرافية. وإليك النص: (ففي هذه القرون التي أعقبت تفكك الموحدين وسقوط دولتهم وشهد فيها المغرب هذه الفترة القلقة المفعمة بالاضطرابات السياسية وعرف إبانها الأطماع الأجنبية سرت في جميع أجزائه روح غريبة جعلت الشعب يقبل إقبالا لم يعرفه من قبل على أمور المجاهدة والكشف وينخرط في الزوايا والربط ويؤمن بالأولياء وكراماتهم ويتناقل خرقهم للعادات وإخبارهم بالمغيبات واحتجابهم عن الأنظار. إلى غير ذلك من التصاريف. وهو مأخوذ كأنه قد أصابه مس من الجن. ثم نجده يندفع في زيارة قبور هؤلاء الأولياء وأضرحتهم ويقيم حلقات الذكر حول قبابهم وتتشكل بهذه الطرق الصوفية التي ملأت البلاد من أقصاها إلى أقصاها بكل ما عرف لها من نظام كهنوتي دقيق يضم النقباء والنجباء والأبدال والأوتاد والمريدين) (٢) وهكذا تكونت في الجزائر في القرن التاسع مجموعة من الزوايا منها زاوية الثعالبي في مدينة


(١) ابن مريم (البستان)، ٢٧٩.
(٢) يحيى هويدي (تاريخ الفلسفة الإسلامية في القارة الإفريقية) القاهرة ١٩٦٦، ٣٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>