الأغنياء قد تنكروا للوطن ووالوا الاستعمار، واكتشف أيضا أن الاستعمار يقوم على نظام سياسي مدروس وعلى فلسفة معادية للإنسان والأخلاق، وأن الماضي والحاضر يمثلان خطا واحدا متصلا، وأن الجيل القديم هو الذي مهد الطريق للجيل الجديد وأنه هو الذي ربط بين نضال الأجداد ضد الاحتلال في القرن التاسع عشر وبين الثورة الأخيرة وأن الجميع في سجن كبير يسمى الجزائر، وقد خاطب معمري قومه بأن يضعوا ثقتهم في الكفاح الشعبي لأن شعارات ١٧٨٩ ما هي إلا شعارات مزيفة.
ولنعد قليلا إلى نوفمبر ١٩٥٦ فقد بعث معمري برسالة من الرباط إلى أحد أصدقائه يقول فيها: إنه لم يعد يكتب منذ أكثر من سنة وإنه لا يوجد ما يستحق الكتابة عدا المأساة الكبرى والدموع ودم الأبرياء، وقال له إن المجرم الحقيقي والوحيد هو الاستعمار، ولكنه هو لا يدين الرجال وإنما يدين النظام، وإنه يعتبر الرجال الذين يزدهرون في ظل الاستعمار هم المنافقون والخونة (١)، والظاهر أن معمري الذي أصبح تحت حماية عمه في المغرب، وجد الفرصة مواتية ليواصل تعلمه، لأنه عندما رجع إلى الجزائر بعد الاستقلال باشر التعليم في إحدى الثانويات، كما رأينا.
وبعد أكثر من عشر سنوات من نشر الرواية الثانية لمعمري وخمس عشرة سنة من نشر الرواية الأولى، كتب الأديب محمد الصالح دمبري مقالة موثقة بالفرنسية عنوانها (مجادلات حول الربوة المنسية) عن قصة ظهور الربوة المنسية لمولود معمري وردود الفعل الوطنية عليها، والظروف المحيطة بموضوعها، وقد ترجم المقالة إلى العربية حنفي بن عيسى ونشر الترجمة في مجلة الثقافة.
(١) هناك خطأ في التواريخ أيضا، فقد سبق لعبد المالك أن قال إن معمري قد نفي إلى الرباط سنة ١٩٥٧، والآن يتحدث عن مراسلة معمري من الرباط سنة ١٩٥٦، فكيف نوفق بين هذا وذاك؟ أنور عبد الملك، جريدة المساء المصرية، ١٢ مايو، ١٩٥٧.