أن الباب الذي كان يحرره أحمد توفيق المدني باسم (منبر السياسة, العالمية) كان يتحدث عما يجري من ردود أفعال نتيجة الوضع في الجزائر.
وبقطع النظر عن المضايقات التي تعرضت لها البصائر وافتتاحياتها الوطنية الواضحة فإن علاقتها بالإدارة الفرنسية، بعد البلاغ الإداري لجمعية العلماء الذي نشرته في ١٣ يناير ١٩٥٦ لم تعد كما كانت، فقد تحول التوتر إلى استفزاز وتحول الاستفزاز إلى قمع، ولنذكر هنا أن البلاغ كان صريحا في دعم الثورة والخروج إلى السياسة من الباب الواسع بالنسبة لجمعية تقول لوائحها إنها لا تشتغل بالسياسة وإنما تشتغل بنشر التعليم الحر وترشد الناس إلى شؤون دينهم.
لقد صدر البلاغ بعد الاجتماع العام للجمعية، وتناول (الحالة الحاضرة في القطر الجزائري وموقف الجمعية منها) وكان الاجتماع قد انعقد في مدينة الجزائر بمركز الجمعية يوم السبت ٢٣ جمادى الأولى ١٣٧٥ و ٧ يناير ١٩٥٦، وتضمن نقاطا عديدة أهمها: تهنئة تونس والمغرب باستقلالهما، والتنديد بما كان يجري في الجزائر من فظائع، وإلقاء المسؤولية على النظام الاستعماري عما عاشه الجزائريون منذ ١٣٠ من عنصرية وتفقير وتجهيل وحرمان ومحاربة للإسلام والتعليم العربي القرآني ومحق الجنسية وفرض سياسة الاندماج.
كما احتج المجلس على ما يرتكب في مختلف جهات الوطن من موبقات باسم القضاء على الثورة وعلى مدارس جمعية العلماء، وهو يتعاطف مع أحرار الأمة الذين سجنوا أو ألقي بهم في المحتشدات، ويثمن مواقف أحرار العالم وجميع الصحف النزيهة والحكومات الحرة التي أيدت نضال الجزائر، ويعلن أن كل سياسة تقوم على ترقيع الماضي وإجراء (إصلاحات) إنما هي عبث وتيئيس يؤدي إلى الانفجار.
وبهذه اللغة أعلن المجلس بكل صراحة أنه لا يمكن حل القضية الجزائرية إلا بالاعتراف العلني والصريح بكيان الأمة الجزائرية الحر وجنسيتها وحكومتها القومية ومجلسها التشريعي، ويؤكد أنه لا يمكن وضع حد لحالة الحرب