للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدينية عند العلماء ساد التصوف العملي بما فيه من حضرة وأذكار وأوراد واعتقادات في المرابط. وبذلك انفصل التصوف عن علوم الدين الأخرى. وقد أسرف المتصوفون على أنفسهم حتى اعتبروا الأذكار أفضل من القرآن وسووا بين المرابط والرسول (صلى الله عليه وسلم) (١).

ومع ذلك وقع خلاف شديد بين السلفيين والمتصوفين خلال القرن التاسع، ولا سيما في تلمسان. وكان ابن مرزوق الحفيد هو الذي تزعم الاتجاه السلفي بينما عارضه معاصره قاسم العقباني. وكلا الرجلين مشهود له بالعمق في العلوم والاجتهاد في الرأي. ويكفي أن نذكر هنا أن ابن مرزوق قد وصفه تلاميذه (برئيس علماء المغرب على الإطلاق) وبأن الناس قد أجمعوا على فضله من المغرب إلى الديار المصرية وبأنه عديم النظير في وقته. وقد وصفه بعضهم (بالإمام الحافظ الأستاذ النظار المحدث السني) (٢). وبذلك نعلم أن ابن مرزوق الذي توفي سنة ٨٤٢ قد بلغ في نظر معاصريه درجة الاجتهاد. ومن بين أساتذته أبوه وجده وكذلك سعيد العقباني، بالإضافة إلى ابن عرفة وابن خلدون. وقد تخرج عليه كثير. ومن تلاميذه عبد الرحمن الثعالبي.

أما خصمه في الرأي فهو قاسم العقباني الذي وصفه ابن مريم بتحصيل العلم والوصول إلى درجة الاجتهاد أيضا، وبأنه كانت له اختيارات خارجة عن المذهب، وأنه كان مفتيا حافظا معمرا وعالما جليلا (٣). وقد توفي قاسم


(١) هويدي ٢٩٧ - ٢٨٨. ويذكر مقدم (الفارسية) أنه بينما ازدهرت العلوم الدينية في الدولة الحفصية ازدهرت العلوم الدنيوية في الدولة المرينية. وهذا ما حمل العلماء في الدولة الأولى على التوجه إلى الطرب ظنا منهم بأنها كانت أقوى بدليل هجماتها على مناطق نفوذ الحفصيين. ومن علماء قسنطينة الذين توجهوا إلى الطرب حسن بن باديس وابن القنفذ. انظر (الفارسية)، ٣١ وهنا وهناك. وفي الطرب كتب ابن القنفذ (أنس الفقير وعز الحقير) واهتم بعلم الحساب والمنطق والفلك.
(٢) عبد الحي الكتاني (فهرس الفهارس) ١/ ٣٩٣.
(٣) ابن مريم (البستان)، ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>