للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمسين سنة (انظر رأي باربيس، سابقا) على أمر واحد، فلم يشاهد أو يسمع طيلة المدة المذكورة، ولم يقف على فرق، فيما سمع، ولو في مد أو قصر بين من عرفت من معلم ومتعلم، ومن أخطأ في نداء أو زاد نصف نقطة في غير محلها عد عليه نقص يسفه به عند أهل الفن، فالموسيقى الأندلسية مبنية على قواعد علمية، وعلى الأصوات المطلقة والممتزجة، فهي مركبة من (نوبات) ومرتبة على قواعد الإنشاء، وهي: الاستهلال فمقصود ثم خاتمة، والنوبة تبدأ بالتوشية ضربا من دون غناء، وكرسي مثلها، وهما مغفتاحا الآلة، ويكونان على نقر الوتر، ثم يجهر بالمصدر ثقيلا، ويليه البطاحي أثقل منه في الغالب، ثم يليهما الدرج وهو أخف منهما، ثم يأتي الانصراف خفيفا، ثم الخلاص أخف، وقد يزيدون على ذلك الانقلابات (النقلبات؟) واحدها الانقلاب، وهو يتبع الصياح دائما، أو الاستخبار المناسب لصناعة النوبة، فإن كانت نوبة الزيدان يصيحون زيدانا أو يستخبرون سيكة، وهكذا، ولكل صناعة نوبة أو نوبات، ويقال إن الشيخ محمد المنيمش أستاذ السيد محمد سفينجة كان يعرف في الصنعة الواحدة عشرات النوبات بأصواتها.

وبعد هذه المعلومات الفنية والعملية يقدم عمر راسم معلومات تاريخية. فهو لا يستغرب مما روي عن الشيخ المنيمش مثلا، لأنه رأي بنفسه ديوانا بخط إمام الجامع الكبير الشيخ عبد الرحمن بن الأمين، جد شيخه قدور الأمين إمام مسجد سيدي عبد الرحمن الثعالبي، فإذا في هذا الديوان أربع وعشرون صناعة أو لحنا، ولكل صناعة نوبات كثيرة منها ما يزيد عدد مصدراتها على العشرين. وكان الشخ عبد الرحمن بن الأمين يتقن الفن (الموسيقى) ويحسن تلك النوبات كلها، وكان في عصره هو رئيس القصادين، (باش قصاد)، وهي وظيفة تشريفية، كان يتقلدها من يتقن الفن ويحسن تأدية تلك النوبات كلها، ويتولى بها إدارة جماعة من القصادين أو الفنانين الذين يتغنون بمدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالأناشيد أيام المولد النبوي في المساجد والأضرحة والزوايا، ويأسف الشيخ عمر راسم على أن الديوان الذي سبق أن رآه قد ضاع، كما ضاع في الجزائر كل

<<  <  ج: ص:  >  >>