ما كان ينبغي أن تفاخر به ... ولم يبق لأهلها في هذا الباب إلاقليل، لكن هذا القليل الذي بقي يعتبر أصح في نظره مما بقي عند المغاربة والتوانسة ... وكذلك اللبنانيين لأن في نطقهم رقة تضعف قيمة اللحن الفنية، كما أنهم اخترعوا زيادة على الأصل أنفاسا غير موافقة لميزان الصنعة ونسبة الأصوات في الغالب.
وهكذا اهتمت الجزائر بالمحافظة على الموسيقى الأندلسية، كما اهتم أهل الحديث بصحة الرواية، فكان أعيانها وعلماؤها يتنافسون في حفظها في الصدور وإتقانها ... وأشدهم حفاظا على ذلك الشعراء العلماء الذين تنافسوا في إنشاد (المولديات) وقياسها على نظام الأنغام الأندلسية، ويكفي دليلا على ذلك أن الذي أدخل الألحان الموسيقية، ثقيلها وخفيفها، حسب القواعد العلمية في الأناشيد والموشحات هو الشاعر أحمد بن عمار ... (١).
وكان يشارك ابن عمار في الإنشاد الأئمة والفقهاء، وقد سار الكثير منهم على منواله من بعده، ومنهم أحمد بن القبطان إمام الجامع الجديد، وآخر فنان من ذلك السلف هو الشيخ محمد سفينجة المتوفى عام ١٩٠٨، وهو تلميذ الشيخ محمد المنيمش.
لقد كان سفينجة حسن الصوت (وهذا مما يقل وجوده في الفنانين في الجزائر)، وبهذه المناسبة ذكر عمر راسم قصة جرت عند زيارة الشيخ محمد عبده للجزائر (١٩٠٣)، فقد أقام له الأعيان وليمة حضرها الشيخ سفينجة فأراد الشيخ مصطفى الكمال أن يعتذر للشيخ عبده عن لحن المغني وتحريفه للعربية فأجاب الشيخ عبده (بأن جميع المغنين يلحنون)، وأضاف أنه يستحسن نظام موسيقى الجزائر وأثنى على الشيخ سفينجة، وقال إن غناء الجزائر يشبه غناء
(١) انظر عن أحمد بن عمار ما كتبناه عنه في تاريخ الجزائر الثقافي، ج ٢، وكذلك بحث محمد الحاج صادق عنه بعنوان المولد عند ابن عمار.