سوء الظن وفقدان الثقة بالنفس وأدخلوها دائرة العنف حش فقدت السيطرة على مقاليدها وأسلمت زمام أمورها لغيرها، وخسرت ما ربحته من رصيد معنوي أيام الثورة.
ومن علامات هذه الظاهرة المرضية إصابة الجزائر في هويتها الثقافية، فقد جعلوها لعبة في أيدي العابثين، فأصبح أبناؤها يتنابزون بالألفاظ النابية في سبيل لغة الغير وثقافة الغير وتاريخ الغير، ونسي الجزائريون أن لهم وحدة يجب الالتفاف حولها، ولهم هوية مات أجدادهم من أجلها ولهم ثقافة عربية إسلامية هي التي حمتهم من الذوبان في الغير وحافظت على وجودهم كأمة بعد أن تعرضوا لأقسى امتحان في التاريخ وهو التخلي عن شخصيتهم والاندماج في أمة ليسوا منها في شيء.
وكانت الكتب والمكتبات هي الضمانة لتاريخهم وكيانهم، ولكنها كانت في يد المستعمرين يفعلون بها ما يريدون ويوفرون منها لأنفسهم ما يشاؤون بينما يحرمون منها أصحاب الأرض، كانت في الجزائر مكتبة عمومية (وطنية) ومكتبة جامعية ومكتبات ولائية وأخرى بلدية، بالإضافة إلى مكتبات عسكرية حيث ينشط القطاع العسكري الفرنسي، وكلها مكتبات في الواقع تخدم المصالح الفرنسية، كما تخدم الاستشراق في أوسع معانيه، أما المسؤولون عنها فكلهم فرنسيون، وقد يكون من بينهم عون جزائري في درجة ثانوية تقضي المصلحة وجوده كالترجمة وقراءة الخطوط والعناوين العربية.
بالإضافة إلى ذلك كان هناك مكتبات لبيع الكتب المستوردة أو المطبوعة في عين المكان أو في فرنسا، مثلا هناك مكتبة النهضة الجزائرية بالعاصمة التي كانت متخصمة في بيع كتب المشرق على العموم، ولكنها تبيع أيضا الكتب الفرنسية، وهناك دار الكتب التي تشبه الأولى في أهميتها، وهي تبيع مختلف أنواع الكتب ومنها الكتب الجزائرية، فهي في الحقيقة دار طبع وبيع وتوزيع، وهناك مكتبة الشباب بقسنطينة، إضافة إلى المكتبة الجزائرية التي لها أصل في