للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من متصوفة الجزائر خلال العهد العثماني كانوا من الصنف الثاني.

ومع ذلك فإن هناك أمثلة على أن المتصوفة الجزائريين كانوا في أغلبهم ماديين. ذلك أن الكثيرين منهم كما أشرنا، كانوا من أتباع الطريقة الشاذلية، وهي لا تنكر التمتع بنعم الحياة. فقد قيل عن أبي الحسن الشاذلي إنه لم يقل بالتجرد عن الدنيا وملذاتها. وهو نفسه قد عاش في أغلب الظن مكرما في تونس والقاهرة، وترك أسرة، وإنما قال بتدريب النفس على فعل الخير وإعادتها بالتدريج إلى أحكام الشرع عن طريق الذكر، سواء كان بطريقة جماعية أو فردية. ولذلك عرف أتباع الشاذلية بامتلاك الثروة وتوافد الهدايا والعطايا عليهم في الجزائر، وكذلك كان أمر الزوايا اليوسفية والقادرية والتجانية والزيانية وغيرها.

وهناك أمور كانت تميز المرابط عن الفقيه، فالأول بحكم انهماكه في العبادة وبحثه عن الوسائل الروحية التي تصعد به إلى مصاف المرضي عنهم كان بعيدا عن ساحة الفقيه الذي كان اهتمامه بقضايا الناس اليومية وبما يجد من أمور وقضايا تحتاج إلى فتوى وتخريجات وتأويلات وأقيسة. وكان المرابط، من جهة أخرى، يستعمل في كثير من الأحيان لغة شعرية روحانية لا يدركها إلا هو، فهي رموز لأشياء قد وضعها بنفسه. أما الفقيه فقد كانت لغته قريبة من الواقع، وهو يستمد مسائله من النصوص والشواهد الحسية. وليس هناك بالنسبة إليه خيال ولا روحانية. ولهذه الاختلافات كانت هناك خصومة أحيانا بين الفقهاء وأهل التصوف، كل منهم يتهم الآخر بالفسوق والإلحاد والزندقة، إذا لم يهدر كل منهم دم الآخر. كان الفقهاء يميلون إلى العلوم العقلية ويدرسون النحو والبيان والفلك كوسائل لفهم القرآن والحديث ومشاكل الناس، بينما كان المرابطون يكثرون من دراسة العقائد والتصوف والفلسفة بل كان بعضهم لا يدرس أصلا وإنما يأخذ التصوف عن طريق التقليد والإجازة وانتظار الرؤيا والمكاشفة والفتح، غير أن بعض هؤلاء وأولئك لم يكونوا من المغالين. فقد درس الفكون النحو والتصوف معا ولكنه فرق بين الشعوذة والتصوف الحقيقي. ودرس الوزان التصوف وعلوم

<<  <  ج: ص:  >  >>