للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوطان من الجرأة والطغيان والتمرد على الأحكام الشرعية) (١) والتدخل في شؤون الدولة الإسلامية. فهو لم يستطع أن يقود ثورة ضد الحكام الضعفاء الفاسدين الذين وضعوا مقدرات الأمة بين أيدي غير المسلمين (الكفار) فوجه جهده نحو أهل الذمة ناقما عليهم تدخلهم مستنجدا بالعلماء عليهم باسم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يقول السنوسي. وقد أشار السنوسي نفسه إلى العلاقة السياسية بين القصة المذكورة وواقع العصر في قوله (فسد فيه الزمان) وسادت فيه (مداهنة من يتقي شوكته) كما دب اليأس في نفس المغيلي من إصلاح الأوضاع في بلاده فتوجه إلى بلاد السودان ينشر مبادئه وأفكاره ويفتي الأمراء هناك بما يتماشى وتصوره في نظم الدولة الإسلامية (٢).

ويتصل بهذه القضية موقف علماء الجزائر من بقايا مسلمي الأندلس: فهل كان على هؤلاء المسلمين أن يعلنوا تنصرهم ويخفوا إسلامهم؟ أو ماذا؟ وأقدم نص في هذا الموضوع فتوى أحمد بن يحيى الونشريسي التي سماها (أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر وما يترتب عليه من العقوبات والزواجر). وكان ذلك حين هاجر بعض الأندلسيين إلى المغرب الإسلامي ولكن ما إن وضعوا رحالهم حتى بدأوا يشكون من عدم الأمن وعدم توفر أسباب الدنيا وأخذوا يأسفون على مغادرة ديارهم وأرزاقهم في الأندلس. وقد استنتج الونشريسي أن هجرة هؤلاء إذن كانت للدنيا وليست للدين بينما الهجرة من أرض الكفار إلى أرض الإسلام واجب شرعي (٣). وفي سنة ٩١٠ وجدنا فتوى أخرى لمحمد بن أبي جمعة الوهراني


(١) اطلعت على هذه الرسالة في ك ١١٣١. الخزانة العامة بالرباط مجموع. وعن حياة المغيلي باختصار انظر (الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام) لعباس بن إبراهيم ٤/ ١٢٥. وقد توفي المغيلي في توات سنة ٩٠٩.
(٢) انظر عبد القادر زبادية (دولة سنغاي) و (أسئلة الأسقيا محمد).
(٣) الونشريسي (المعيار) ٢/ ٩٠. وقد نشر هذه الفتوى حسين مؤنس في (صحيفة المعهد المصري للدراسات الإسلامية) ج ٥/ ١٢٩ - ١٩١. وقد انتقد مؤنس رأي الونشريسي كما أنه حقق النص تحقيقا جيدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>