المغيلي ذلك استفتى علماء تلمسان وفاس وتونس على هدم بيع اليهود في توات فانقسموا، ولكن الأغلبية كانت مع الرأي القائل بوجوب هدمها فهدمت وشارك المغيلي نفسه في ذلك. ومن الذين انتصروا له محمد بن يوسف السنوسي ومحمد بن عبد الله بن عبد الجليل التنسي وأحمد بن زكري (مفتي تلمسان) بالإضافة إلى مفتي فاس ومفتي تونس. فقد هنأ السنوسي زميله المغيلي على شجاعته وقيامه بواجب الدين في وقت فسد فيه الزمان وضعفت فيه فريضة النهي عن المنكر وسادت فيه (مداهنة من يتقي شوكته) أما التنسي فقد كتب إلى المغيلي جوابا مطولا يستصوب رأيه ويبارك عمله.
ويهمنا من هذه القصة الربط بينها وبين واقع العصر السياسي (١). فالمغيلي لم يتخذ ذلك الموقف إلا بعد أن رأى ما عليه اليهود (من التعالي والطغيان والتمرد على الأحكام الشرعية بتولية أرباب الشوكة وخدمة السلطان) فالمسألة إذن ليست دينية كما فهمها من أراد المس بالدين الإسلامي وبأهله لرميهم بالتعصب وضيق الأفق ولكنها مسألة سياسية بالدرجة الأولى. ذلك أن اليهود (وأهل الذمة عامة) اغتنموا فرصة الضعف السياسي والاقتصادي للدولة وراحوا يستعملون حيلهم ونفوذهم للتدخل في شؤون المسلمين وفي صميم الحكم نفسه. لذلك ألف المغيلي رسالة في الموضوع قسمها إلى ثلاثة فصول، فخص الفصل الأول بما يجب على المسلمين من اجتناب الكفار بحيث لا يقرب المسلم كافرا من نفسه أو عياله أو يستعمله في أعماله، ولا يفعل ذلك من المسلمين إلا من لا دين ولا مروءة له. وتناول في الفصل الثاني ما يلزم أهل الذمة (وهو هنا لا يقصد اليهود فقط) من الجزية والصغار. أما الفصل الثالث فقد تحدث فيه عن (يهود هذا الزمان في سائر
(١) ذكر الحسن الوزان، ٢/ ٤٣٦ أن عددا من اليهود قد نزلوا، بعد طردهم من الأندلس وصقلية، في القورارة وتوات. وكانت القورارة في مفترق الطرق التجارية بين فاس وتلمسان والصحراء. وكان هؤلاء اليهود قد استغنوا جدا. وهذا ما أدى إلى تدخل المغيلي لأنه رأى أن نفوذهم قد تعاظم.