للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتهر هو بشدة الشكيمة في الدين وعدم الخشية في سبيله من أحد (لذلك لم يكن له مع أمراء وقته اتصال كبيرا) رغم إلحاحهم عليه ودعوتهم له - ولعل هذا الموقف المتصلب والمتجافي عن أمراء وقته هو الذي أدى إلى (حصول ما حصل) له مع سلطان تلمسان في وقته. فقد انتهبت داره وتعرض لمضايقات كثيرة (١). ومن أجل ذلك توجه إلى فاس، فاتح سنة ٨٧٤، مهاجرا بأسرته وعلمه فخسرته بلاده وقومه.

والابتعاد عن الحكام (الظلمة) على حد تعبير محمد السنوسي، كان شيمة كبار العلماء. ذلك أن الحاكم يريد تسخير العلماء لخدمته والدعاية لشخصه والكتابة باسمه ونحو ذلك. ولعل من أسباب انعزال بعض العلماء والتجائهم إلى الزهد والتصوف هو ضغط السلاطين عليهم مع جهرهم بالظلم والطغيان والسكوت عن المنكر والفساد. فقد وجدنا عالما مثل عبد الرحمن الثعالبي درس أحوال العصر وتنقل بين عواصم العالم الإسلامي ونهل من علوم وقته، ومع ذلك كان أمام عدة حلول: أن يعلن الثورة على الأوضاع كما فعل المغيلي، أو أن يهاجر من بلاده كما فعل المشدالي والونشريسي، أو أن يصبح مداحا للأمراء كما فعل الحوضي والتنسي وابن القنفذ، أو أن يعتزل الناس جميعا بمن فيهم من أمراء وسوقة. ونحن نجده قد اختار الحل الأخير. وقد أشاد هو بالذين (لا يعرفون الأمراء ولا يخالطونهم) (٢) وكثيرهم العلماء الذين اختاروا هذا الطريق، ومنهم تلميذاه محمد بن يوسف السنوسي وأحمد بن عبد الله الجزائري.

أما المغيلي والحوضي فقد اختارا التقرب من الأمراء، ولكن مع اختلاف في الهدف. فالمغيلي الذي يذكرنا سلوكه بجمال الدين الأفغاني في العصر الحديث، كان ناقما، كما عرفنا، على أمراء المغرب العربي، لتخاذلهم أمام الغارات الأجنبية وانحلالهم داخليا. وقد عاصر هجرة


(١) الكتاني (سلوة الأنفاس) ٢/ ١٥٤ ولم يفصل المؤلف (ما حصل للونشريسي بالضبط.
(٢) عبد الرزاق قسوم (عبد الرحمن الثعالبي والتصوف) - مخطوط بكلية آداب الجزائر. عن كتاب (الجامع) للثعالبي، مخطوط رقم ٣١٥٥، الخزانة العامة بالرباط.

<<  <  ج: ص:  >  >>