البخاري وغيره من الكتب الستة المشهورة، كما يسجل شيوخه الذين درس عليهم، ولا سيما شيوخه في علم الحديث. وكانت هذه الأثبات تتداول بين العلماء ولا تعرف حدودا لا في البلد الواحد ولا خارجه، فهي تتنقل مع الحجاج أو ترسل بالبريد أو تحفظ عن ظهر قلب أو تكتب مطولة أو مختصرة في شكل إجازات، كما سنرى. وكانت الأثبات ورواية علم الحديث وإجادة السند مما يتفاخر به العلماء ويتباهون به فيما بينهم. ويعتبر الثبت الغني بالشيوخ والإجازات والقراءات علامة على تبحر العالم في علمه وعلى بلوغه ما يشبه الكمال عندهم. لذلك قل كتاب الأثبات لقلة الأكفاء في علم الحديث وكثر، من جهة أخرى، طلاب الإجازات وسهل منحها، لأنها تعتبر شهادات علمية ومدخلا للكفاءة في التدريس ونحوه. وكان يكفي أن يقال عن فلان إنه (حافظ) حتى تشرئب إليه الأعناق وتقطع إليه المسافات لنيل الإجازة منه ورواية الحديث وغيره عنه.
وإذا نظرنا إلى الناحية الشكلية فإن الثبت يكتب إما كسجل تاريخي شخصي، وإما لمنحه إجازة لأحد العلماء الراغبين. ولدينا الآن نماذج للنوعين. ولكن الإجازة قد تكون اختصارا لما في الثبت من مطولات. مثلا، كتب أحمد بن عمار ثبته مطولا ولكنه عندما أجاز عالم دمشق محمد خليل المرادي اكتفى بتعداد القليل من شيوخه ومروياته. وكذلك فعل ابن العنابي مع محمد بيرم التونسي. وكان العلماء يعتقدون أنهم بهذه الطريقة (كتابة الأثبات ومنح الإجازات) يحافظون على علم الحديث رواية ويصلون السند بعضه ببعض مهما تباعدت الحقب. والواقع أنهم بذلك خلقوا استمرارية واضحة بين الأجيال في هذا الفرع الهام من فروع المعرفة الإسلامية. ويكفي أن يقال مثلا أن ابن باديس في القرن الرابع عشر الهجري كان يروي الحديث عن أحمد الونشريسي في القرن العاشر، بينما لم يجتمعا ولم يتتلمذ أحدهما على الآخر وإنما وقعت للأول رواية الحديث عن طريق السند من الثاني. ومن أشهر الجزائريين الذين رويت عنهم الأحاديث سعيد قدورة وأحمد بن عمار وعلي بن الأمين وعيسى الثعالبي وسعيد المقري.